الرئيسية / مجتمع / الشاعر محمد شوشان لــ الخبر ال واي: شعري لا تنظر إليه الرقابة بعين الرضى

الشاعر محمد شوشان لــ الخبر ال واي: شعري لا تنظر إليه الرقابة بعين الرضى

 الشاعر محمد شوشان لــ الخبر ال واي:

شعري لا تنظر إليه الرقابة بعين الرضى

  • الشعراء مازالوا في عداد الغاوين يتبعهم الغاوون إلا من رحم ربك
  • تلازم اللغة والتفكير يُلزِم اللفظَ بمدلول والعبارة بفكرة.
  • لي مشروع متواضع جدًّا ليس أقلَّ من إعادة صياغة العالم على هَوايَ

الشاعر محمد مرزوق شوشان، أصيل ولاية المنستير بتونس، ولد بها عام 1950، وتلقى تعليمه بها، لينتقل للدراسة في جامعة 9 أفريل بالعاصمة ويتحصل على الأستاذية في اللغة والأدب، عمل مدرساً في التعليم الثانوي، واهتم بسائر هموم الشأن العام الثقافية والنقابية والحقوقية والسياسية، صدر له عام 2005 ديوانه اليتم (في رجل رجل وامرأة أنثى).
هو واحد من الشعراء الذين لم ينالوا حقهم على مستوى النشر والمشاركة، له موقفه من المشهد العام الثقافي، كان لنا معه حوار لا تنقصه الصراحة.

حاوره رزق فرج رزق

الشاعر محمد مرزوق شوشان

الخــ ال واي ــبر / سيد محمد مرزوق شوشان من خلال اطلاعنا على نصوصك رأينا انها ناضجة و على مستوى من الإدراك و العمق، لماذا تأخرت كثيراً في النشر؟

الشاعر / شكرا على هذه المصافحة.

 تأخرتُ في النشر لأسباب عديدة ذاتية وموضوعية منها مثلا أني لم أكن راضيا على ما تشكَّل لي من ” شعْر” قبل أن تتحدد لي رؤية شعرية ذات شكل ومضمون يميِّزانها عن رؤى من سمعتهم وقرأت لهم من مشاهير الشعراء. كنتُ أدرِّس فيما أدرِّس الشعر العربي قديمَه وحديثه. واطلعت على تجارب عالمية شعرية مدوِّية. وكانت مواقفي منها مواقفَ نقدية. فانتظرتُ حتى لاءمتُ بين مواقعي في الحياة  وعبارتي في الشعر، تماما كما يقتضي الشعر الأصيل؛ إدراكا مني بأن وراء كل عبارة فنية موقفا فكريا هو ذاته صورة لموقع في المجتمع تعكسه في العبارة المصالحُ والمطامح السياسية والاقتصادية. كذلك خامَرَني أن أستحدث شعرا لا يقطع الصلة مع سياق حركية الشعر العربي القديم في أشكاله ومضامينه، مثلما فعل غيري في تجارب الشعر العربي الحر الحديث والمعاصر. فانتظرتُ حتى توصَّلتُ إلى نصوص ” شعر” إنشائية إنشادية لها صياغة ضاربة بجذورها في صميم الشعر العربي القديم وإيقاعاته، متأصلة في صيرورته وحركيته وحيويته وتجدده، ولها معمار مُطَوَّرٌ طريف مُبتدَع حديث ذو إيقاع معاصر.

الشاعر محمد شوشان في مهرجان البحر ينشدُ شعرًا

الخــ ال واي ــبر / ديوانك الوحيد (في رجل رجل وامرأة أنثى) مر عليه أكثر من اثني عشر عاماً، إلى متى سيظل محكوما عليه بالوحدة؟

ج2 / المجموعة الأولى ولدتُها ولادةَ مُعْسِر قبل أن يشيع استعمال الحاسوب والرقن باللغة العربية. وتكبَّدتُ مشاقَّ إعدادها بمفردي نظرا لما اقتضتْه نزعتي الشعرية الفنية من خصوصية العدول فيها عن مفهوم بيت الشعر والتسميط والتوشيح في الشعر القديم، وعن مفهوم السطر أو عقدة الصفحة البيضاء أو التوزيع البصري في الشعر الحديث، عدولٍ ـ قلتُ ـ إلى نوع من خطاطات التشجير التي يؤشر فيها المبنى على المعنى والإنشاء على الإنشاد. ومع ذلك لحِق نسيجها بعض التشويه. ونشرتها على نفقتي وأعانني أصدقائي على توزيعها توزيعا محدودا أثناني عن تكرار التجربة. اليوم تدربت بعض الشيء على الإعلامية وتمكنت من تلافي تشويهاتها التي شوشتْ تنضيد الصفحات، ورصف العبارات، وتصفيف الألفاظ. وقد أعددتُ مشروعا لطبعة ثانية أزعم أنه يعكس بدقة منزعي التشكيلي في الشعر وعقلانيته وجماليته الإنشائية البنيوية الإبداعية . ولي مجموعة ثانية عنوانها ” الَعَرَق الأخضر” وقد جهَّزتها للسحب في نسخة ورقية وقرص مضغوط. و منذ سنة 2008 تحمَّس لنشرها ناشران. ولم تر لحدِّ اليوم نورا. وقد اكتملتْ لي مجموعة ثالثة عنوانها ” كتاب قي العشق ” وهي قيد المراجعة. وللحقيقة ثمة ناشرون “متاجرون” زهدتُ أن ينشروا لي ، وناشرون “مناضلون” على صلة بالتقدم جانفوا النشر لي لأن شعري لا تنظر إليه الرقابة بعين الرضى . وهم كما يقولون في  غنى عن “المضايقات البوليسية” و ” نظرا لضيق الميزانية المخصصة للشعر” و “لاجتناب التعطيلات والاحراج” و ” لزهد القراء في الشعر” و” لعدم توافق توجهاتي الثقافية والفكرية والسياسية مع سياسة الدار في النشر” … بعد الثورة يراودني توزيعُ مجموعاتي الشعرية الثلاث توزيعا مجانيا في نُسَخ من صنعٍ يدوي، لكن تثنيني التكاليف. 

الخــ ال واي ــبر / من ابناء جيلك تعج تونس بالشعراء، ما تقيمك لحال الشعر في بلادك ، أمس واليوم ، وما توقعاتك لحاله في المستقبل؟

الشاعر / سبقتني نصوص شعرية جيدة وتعاصرني نصوص شعرية أخرى على غاية من الطرافة. لكنها جميعها لا تخلو من محاكاة أو محاذاة أو نسج على منوال المشاهير في الشرق والغرب. ونظرا لضيق مجال النشر والتوزيع وعزوف الجمهور عن القراءة عموما وعن الالتفات للشعر على وجه الخصوص، فإن دوائر الشعر في تونس شبه منعزلة ومعزولة ، ولا تتابعها أو تواكبها أو توجِّهها حركة نقدية ذات بال. مازال غالب الشعراء في المنابر المتاحة يختصمون في قضايا حسمتها الآداب العالمية منذ زمان ويتذبذبون في الشعر تذبذبهم في السياسة والفكر. وآخر المستجدات فنيا عندهم، قصيدة النثر التي مرَّ على ميلادها في الأدب الفرنسي ما يزيد عن قرن ونصف من الزمن. غالب شعراء تونس يعرفون “الشعر الحر” ولا يعرفون “الشعر المتحرر” ولا الفرق بينهما. ويعرفون تجربة الطليعة منذ سبعينات القرن العشرين “في غير العمودي والحر”. ولا يدرون لِمَ لم يتجاوزوها ولا كيف يتجاوزونها منذ نصف قرن. اليوم في تونس يكتب الشعراء الهَييكو  دون أن يدروا له مَوْلدا وأساسا فسمَّوه شعر الومضة كما لو كانوا هم من صنعوه… ولم يسمع شعراؤنا بعدُ ، عدا بالبيت وبالسطر، ولا أيضا  بأن الوحدة البنيوية الأساسية الشعرية في الآداب العالمية تقلصت إلى حدود مقطع من كلمة أو حرف صامت أو صائت عند بعض الشعراء في أوروبا… بل قد تصبح القصيدة مجرد غمغمة غير قابلة للتقطيع التلفُّظي أصلا. وفي كلمة مازالت مرجعياتنا الرائجة ، في الشعر التونسي، هي الذائقة العمودية. ولا ندري متى وكيف وبِمَ نُجاوز شعر السياب وبسيسو والنواب والبرغوثي فضلا عن ريلكه ولوركا ونيرودا وغيرهم ؟ وعموما، يحتاج الشعر في تونس حاليا إلى شعراء ذوي رؤية شمولية شاغلة وعبارة مثيرة وصوت متميز. وقد تتيح هذه الثورة العَصيَّة على الترويض لأهل الأشواق الجادَّة، مَجاهرَ ومِجسَّات يقاربون بها أغوار الحياة ومَكامن الفن وآفاق الإنسان.

الخــ ال واي ــبر / التطور الذي طرأ على القصيدة اليوم هل هو ايجابي أم سلبي، و هل ترى أن الشعر يمكنه أن يتجاوز النطاق  الإقليمي بجهد الشاعر نفسه؟ أم يحتاج إلى برامج و منظومة مكتملة؟

الشاعر/ لا شك في أن أي تطور يطرأ على القصيدة إيجابي. بل أقول كل شيء يجوز فيه الاتّباع والاحتذاء والتنميط إلا الشعر. لأن الشعر فنٌّ . فن التشكيل باللغة. مثله مثل فن التشكيل بالأصوات وفن التشكيل بالأنغام وفن التشكيل بالحركة والإيقاع وما شابَهَ. والفن في معجم  النبات هو أحدث ما يستجدُّ من خضرة الشجر… ولكي يرقى الكلام إلى مستوى الشعر، مطلوب في القصيدة أن تعبِّر باستمرار عن حيويتها تماما كالشجرة بعراقتها في تربتها، وبتأصُّلها وثباتها في بيئتها، وبتفتُّحها دوريًّا بالتوريق والإهار والإثمار. الشعر جدَّة وتجدُّد من حيث هو نِتاج استشعار واستشراف يسابق به الشاعرُ ما وراء الأفق. بل ويعتلي له جوْنَ الهلال ويتخذ منه لناظرَيْه متَّكأً. ولا يمكن أن يُحسَبَ ما يقوله الشاعر شعرا إلا متى قال ما لم يُقل قَبْلُ؛ سواءً أقال ذلك هو أو قاله سواه. ومثلما الوعي بناتج الاستشعار من جنس الوحي، فإن الشعرَ ـ قولاً ـ من قبيل السِّحْر فعلا. إنَّ أقلَّ ما يُنتَظَر من القصيدة طرافتُها شكلا ومضمونا بما يطرأ عليها من تطور ولو  طفيف. أما فرادتها ففي تركيم الإبداع على الإبداع. وأما فذاذة الشعر ففي الطَّفْر. في الخلق على غير شاكلةٍ ومعنى.
   الفن عموما والشعر خصوصا نقيض المحاكاة، محاكاة الغير ومحاكاة الذات. والشاعر الأصيل مَن إذا سمعْتَه أو قرأتَ له استشفَفْتَ مِنْ إنشادِه ذاتَه وعانقتَ من خلال “قصائده” كلَّ دوائر انتماءاته الفئوية منها والاجتماعية والجهوية والوطنية والقومية والإقليمية والإنسانية والكونية. إن الشعر بمثابة فك الحصار المضروب من حول الذات القلقة التوَّاقة. وتجاوز الشاعر نطاقه الإقليمي، إنما هو حصيلة جهدٍ شخصيٍّ وعوامل ظرفية تلتبس فيها المُعيقات والمساعِدات. ومثلما يتحدد مسار الشعراء ومصيرهم بنضج تجاربهم في الحياة  وبمستواهم الفني، يتحدد مسارهم ومصيرهم أيضا بمناخ التعبير الثقافي المحيط بهم، وبدرجة الرقابة المسلَّطة على مجالات  التفكير والتعبير والنشر. لأن الشعر ليس بمنأى عن الصراع الدائر في العالم اليوم بين الخيارات في الداخل والخارج.

 الخــ ال واي ــبر / لديك لونك المميز في قصيدتك، هل ثمة تأثر ما بشاعر ما تراه قدوة لك؟ أم حالة الشعر تقمست بوحك فتفردت بنصك وطريقتك في الإلقاء؟

الشاعر/ لو لم تقدني أصولي ومواقعي ومواقفي مما حولي إلى رؤية جادة في الحياة وفكر حازم في المجتمع وعبارة جديدة في الشعر، ما غامرتُ بإقبالي على الناس أُنْشِئ لهم إنشائي وأُنشِدُهم إنشادي. ولولا ثقة مني ـ على حِسبةٍ حَسِبْتُها ـ  أنَّ شعري ينطق بأشواقهم وأسرار وجدانهم كما لم ينطق بها أحد من قبلي، ما هان عليَّ أن أكبِّدَهم عناء سماعي وأهدر وقتاً شواغلُهم أحوج إليه من الانشغال بتهاويمي. وبقطع النظر عن توفيقي أو إخفاقي، يبقى شعري نتاجا لكل من قرأتُ لهم أو أنصَت إليهم. ولكنه نتاج موسوم بسيمائي. وليس في الأمر سرٌّ ولا هِبَة ولا إلهام. كل ما في الأمر أني ـ عندما أقرأ ـ تنقدح في ذهني بين سابق مخزوني و وتالي مكتسباتي بوارقُ ولواعجُ تتشكل من شرارها نصوصي. وقد أمْلتْ عليَّ انفعالاتي تلك أن أُفْرِدَ لفرادتها إخراجا يجَلِّيها وينصُّ على خصوصيتها، فأغنِّيها أو أنوح بها على مقتضى الحال. وبذلك اهتديت إلى توظيف السكوت خلال الإنشاد، أو البياض أثناء القراءة ـ مثلا ـ إلى تقنية إيقاعية وتوزيع تنغيمي يوقع النبْر على مفاصل الفكرة. وشكَّلتُ من تصاريف اللغة  وتراكيبها صِـيَغا وتشاكيلَ تجعل العبارة الواحدة من عبارات النص عنصرا جماليا من عناصر الصورة الشعرية . ولكي أطوِّع الشعر لشواغلي وينقادَ لي كتابةً وإنشادا، وينصاع للقرَّاء فهْماً وللمعجَبين إلقاءً، شكَّلتُ من تلك الصوَر المتلاحقة في سياق التعبير “قصيدةً” هي أشبه ما تكون بمشهد تشكيلي متجانس متكامل في أي فن من فنون التعبير. و فعلا فإن شعري ، على وجه من الوجوه بَوْح أزعم له أن ينفذ حيث لم ينفذ من قبله شعر إلى ما يعتمل في الأذهان، ويثير خواطر البال وسواكن الذات، ويتفجَّر أنهارا في صحارى الوجدان ويتداعى الوجد فيه إنشادًا بين الألسن والأسماع.

الخــ ال واي ــبر / عناوين كثيرة تصاحب المرحلة من دواوين للشعراء بعض ينمي عن نص معين أو فكرة ما، وبعضه تراه جماليًّا فقط لا يعبر عن المحتوى، أين أنت من اختيار عناوين قصائدك والدواوين؟

الشاعر/  العنوان ـ كما تعلم ـ شقيق المعنى في المعاجم اللغوية. وهو في اللغة السِّمة التي تَسِم وتُخصِّص. وإذن فهو ما يعني أنه خلاصة المعنى والدلالة والمضمون والمحتوي والفحوى وكل ما تعلَّق بحقيقة ذلك المسَمَّى وهويته. ومن ثَمَّ فهو الخلاصة المخبرة عما يقع تحتها من تفاصيل الشكل أو المضمون  مثل ديوان اللزوميات الذي وسمه المعري بسمته الشكلية من حيث لزم فيه تقفيةَ قصائده بما لا يُلزِم الشعراء، ولزم في أبياته الأحد عشر ألفا ونيفا، من حيث مضمونه، موضوعا واحدا هو ” تمجيد الله…”. أو مثل  ذيل ديوان ” اقتراح القريح واجتراح الجريح” الذي سمَّى علي الحُصْري القيرواني شعره فيه “مَحْبوك الطرفين” الذي يبدأ كل بيت من أبيات قصائده بحرف الرَّويِّ الذي تنتهي به. وفي عناوين الدواوين اليوم ما يدل على خلاصة ما بين الدفَّتين أو على خيطٍ ناظم بين أجزائه تصريحا أو تلويحا ، على وجه الحقيقة أو على وجه المجاز بالاستعارة أو الكناية. وقد ذهب الشعراء اليوم مذاهب شتى منها : المجزوم بلم. الحصار. أقسمت على طلوع الشمس. عناقيد الفرح الخاوي. الحصاد. رماد الماء. و ما شابه . وقد أصبح للناشرين رأي ونفوذ في اختيار العنوان لمنشوراتهم لأسباب تتعلق بالدعاية والترويج قد لا يكون فيها صلة بين عناوين الدواوين ومحتوياتها. وفي تقديري بل في اعتقادي أن تلازم اللغة والتفكير يُلزِم اللفظَ بمدلول والعبارة بفكرة. وجمالية العبارة في جمالية مُؤَدَّاها. في بلاغتها معنىً وبيانا وبديعا.

    وعلى سبيل الدعابة فإن عنوان مجموعتي الأولى ” في رَجُلٍ رَجُلٍ وامرأةٍ أنثي ” يعلن بحرف الجر “في” عن خصومة بيني وبين تيار يقول إن القصيدة لا تحتاج موضوعاً. حرف الجر هذا ـ في العناوين ـ دلالة على أن عنوان الكتاب هو بالذات موضوعه. وبذلك فمجموعتي تلك موضوعها حصرا “رجل وامرأة” وخصصت كلاًّ منهما بخصيصة تميِّزه وتخرجه من الدلالة على الفرد النكرة إلى الدلالة على مطلق الجنس والنوع، وتركِّز على الصفة بالاسم لإبراز المعنى الأخلاقي في العبارة باعتبار الرجولة ليست الذكورة بل هي المثل الأعلى اجتماعيًا والمروءة هي المثل الأعلى النسويُّ أخلاقيا. وبذلك ينصبُّ الاهتمام، لا على المعطوف والمعطوف عليه، وإنما أيضا على  واو العطف لإثارة قضايا العلاقة بينهما… وفي بعض الظن إثم. أنا أيضا ـ ما دمتُ مترشحا لمقام الشاعر أيْ المبدع الخلاق ـ لي مشروع متواضع جدًّا ليس أقلَّ من إعادة صياغة العالم على هَوايَ أتغنى به لَعلَّه يغري المعذَّبين مثلي بالانخراط فيه معي ،  بَدَلاً عن الانحباس في خسائس هذا العالم والنواح بغربتنا فيه والهروب منه والقطيعة معه. ومثلما بدأ الوجود بأنثى وذكر رأيت أنَّ بدْء مشروعي لا يستقيم قِيمِيًّا إلا بزوجين إنسانيين ” على خُلُقٍ”. وما على مَن يخالفني في بساطة المشروع وسهولته إلا محاورتي…

الخــ ال واي ــبر / ما مدى إطلاعك على التجربة العربية في الشعر؟ وهل تراه بخير؟

الشاعر/ مهما يكن اطلاعي على الشعر العربي واسعًا وعميقًا فهو نسبي ومحدود. غير أن أطوار التجربة العربية في الشعر على مدى عصورها، لها من الوضوح في ذهني ما يجعلني أتلمَّضُ عيون نصوصها، وأتردد على عذْبِ سَلْسَلِها، وأجهد نفسي في ارتياد مساقطها واستطلاعها من مكامنها؛ حتى لكأني بهذا الكلام أوهمك بأني  أعرف شاردها وواردها. كلا! فمن حيث جانبها البضاعي لا تسمح لي إمكانياتي إلا بالتعرُّف على بعضها، وتوخِّي التعامل معها على وجه الصدفة والاتفاق والانتقائية. وهذا يجعلني لا أجازف بالحكم عليها حكما قطعيا. وأكتفي باستحضارها على ضوء ما بدا لي من ملاحظات فيها. وعلى وجه العموم فالشعراء مازالوا في عداد الغاوين يتبعهم الغاوون إلا من رحم ربك. لذلك وفي بيئةٍ آخرُ اهتماماتها الثقافة وكوابيسها التغيير، مازالت التجربة الشعرية مكْلِفة جدًّا، كأن تُكبِّد قصيدةٌ صاحبَها خمسَ عشرةَ سنةً سجنًا أو تسلب عمرَه غيلةً شنقا. غير أن حيوية الأمة ومقاومتها لرياح الفناء وإصرارها على منازعة الحياة لترويضها وانتزاع حقها في البقاء منها، يجعلها أشْعَرَ فأشعرَ.

الخــ ال واي ــبر / هل استطاع الشعراء في تونس أن يؤسسوا لحركة شعرية متفردة ومستقلة ذات بصمة خاصة، أم تراه فيها من التأثير ما فيها عربيًا و اجنبياً ؟

الشاعر/ في تونس حركة شعرية لا شك؛ مثلها مثل حركات الشعر في كل قطر. غير أن علاقتها بالتأسيس مازالت في طور النزوع لا في طور التحقق. وذلك لخصوصية التجربة الشعرية في حد ذاتها. والغالب على كتاباتنا التجريب دون مرافقة نقدية الأمر الذي يعطل نضج التوجهات ويغطي  على فرادتها. ورغم أن الساحة تعج بالشعراء. ورغم رفع الرقابة السياسية على المنشورات ومن ضمنها المجموعات الشعرية، فإن التعامل مع الشعر في تونس إنتاجا وترويجا واستهلاكا مازال محكوما بانتهازية يمارسها الشعراء على الشعراء بالتنابذ المقيت. ويمارسها الإعلام بالاحتواء والإقصاء. وتمارسها السلطة بالتجاهل والازدراء. حتى شعراء النظام “المنسجمون” الميَّالون مع الريح المنقلبون حتى على أنفسهم،  بولاءاتهم و اتحاداتهم وبيوت شعرهم وتملقهم وتدافعهم في  ملتقياتهم ومقاولاتهم الشعرية في الداخل والخارج، لم يثمر عندهم بعدُ ما بالإمكان أن يوسم بمياسم الحركات لا المتفردة ولا المستقلة. وقصارى ما أعرفه من المنشورات بين الحين والآخر، نصوص بديعة منعزلة  لا تكاد تُبْرِق حتى تنطفئ. ولنا في تجربة الصغير أولاد أحمد درس وعبرة. وفي كل هذا وذاك، فإن النجاحات الشعرية الطافية على سطح المشهد الشعري التونسي نجاحات ظرفية أَعْلَقُ بالمواضيع والمضامين منها بالجمالية والتفنن في الإبداع. إنْ ترَ فيها بصمة خاصة، تر مِن حولها ما يَشي باقتباساتها ومَقابِسِها من هنا وهناك.

الخــ ال واي ــبر / هل من قصيدة راقت لك تمنيت أن تكون أنت كاتبها؟ وما هي القصيدة التي كتبتها وتراها في تقديرك هي أقرب لك و تمثلك و تجسد تجربتك؟

الشاعر/ لا حصر لقصائد وجدتُها “سَخْنَة المَشْتى” أو لِحافا حين يغشاني الصَّرَد. لكن أن أتمنى لو كنتُ أنا صحبَها فلا. لم يحصُل أن دار ذلك في خَلَدي. احتراماتي لمخْصوصات الغير شعائر عندي ومراسم. ولكَمْ انتشيتُ كلما طالعتْني صورةُ العالم بعَيْنَيْ امرأةٍ خصوصا إذا تجاسرتِْ  في شعرها الحقيقة على مقام الأدب، وتطاول البهاءُ على الحشمة. وددتُ عندئذ لو شَفَّ شَفافي فرقَّ نسيمُ حميمِي فارتسمتُ قُبْلةً على ذَيْنِكَ الناظِرَيْنِ. أمَّا ما هو الأقرب من شعري إليَّ فلا  أدري . قصائدي كلهن بناتي. والقصيدة التي لا أتبناها مبنى ومعنى أتلِفها وأعاود السعي في طِلاب خيرٍ منها، ثقةً مني أن المعاودة تكون أقل عيوبًا مما سبقها.

الخــ ال واي ــبر / ماذا تقول للقائمين على المشهد الثقافي في بلادك؟

الشاعر / من هذا المنظور لا شيء أقول. لم يكن للمشهد الثقافي عندنا قائمون عليه؛  شأنه منذ الثورة شأنه قبلها. فالجهات الرسمية لم تكن تولي لتنمية الحياة الثقافية ولا لتحفيزها بالا. ولم تعر أهمية إلا لأشباه الشعراء وسائر أشباه الفنانين. و منذ أن صار الدينار في أوائل السبعينات دينا وديدنا، صارت الدوائر الرسمية وما يدور في فلَكها تعتبر الحركة الثقافية ـ رغم وهَنِها القاتل ـ هي العدو الذي يهدد كيانها ويقتضي التعجيلَ بتفريغه والإجهاز عليه. ولذلك فرضت على الكلمة رقابة صارمة ومطاردة شرسة وملاحقة ضروس ، وصار كلٌّ فنان  من الفنانين القلائل في شأن يَعْنيه. وأمَّا المعذَّبون المعنيون بالشأن الثقافي، فقد أعاقت نشاطَهم ضرورات الحياة. لأن الثقافة لم تغلب عليهم ولم تكن لأحد منهم خبزَه اليومي. ولذلك نادرا ما كنتَ تسمع  بطير يغرد خارج السرب؛ لا في الشاشات، ولا في الإذاعات، ولا على أعمدة المجلات والجرائد. وما لم تتبلور في هذا البلد سريعا رؤية ثقافية مستقبلية، وتتحرك من منظور وطنيٍّ وذات أفق إنساني، فإن الضحالة لا محالة غالبة والذوق ركيك. أقول فقط لمن يسوؤهم حال الثقافة اليوم من أهل  الدار، باحثين ومبدعين أن هبُّوا هبة رجل واحد لتوفير الأطر والوسائل لنصرة وجدان هذا الشعب وإنقاذ روح الأمة وكسر قيود الإنسانية.

عن الخبر ال واي

شاهد أيضاً

– من يعزي من ؟!

– من يعزي من ؟! رزق فرج رزق / طبرق تتوالى أخبار الفاجعة وتداعياتها كل …

تعليق واحد

  1. صرخة شاعر تمرد على التقليدي ليبدع بروح النالق و التطور بمواضيع هامة جدا و حياتية .، السيد محمد مرزوق شوشان من الشعراء الذين احدثوا دوما نفس طلائعي لبناء ثقافة جديدة متجددة تحيى الشاعر و لا تقتله . لان مع الاسف اشباه شعراء يقتلون الابداع بسفاهتهم حتى كدنا نسمع من يموء يقال له انت مبدعا . الرجاء يا معشر المبدعين ، انهضوا و هشوا الناعقين بعصا الابداع علهم يرحلون مع اول زمان مارق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *