الرئيسية / ثقافة / مقالات ثقافية / قــراءة في ديوان سوف عبيد

قــراءة في ديوان سوف عبيد

قــراءة في ديوان سوف عبيد

بقلم الشاعرة سونيا عبد اللطيف/ تونس

     صدر مؤخرا ديوان الأديب والشاعر التونسي في شهر ماي 2017 ويضم مجموعاته الشعرية التي نشرت من قبل في خلال السنوات المنقضية وأعماله الجديدة الشعرية والذاتية التي لم تنشر من قبل …

 التقديم المادي للكتاب : هو عبارة عن مجلد أنيق المظهر خفيف الوزن أخضر اللون عدد صفحاته 380 وقد تضمن الإهداء وعناوين المجموعات الشعرية وسيرة ذاتية مختصرة واختزال لبعض مشاركاته ..

نص الإهداء يقول : إلى الذين علّموني وتعلّمت منهم ..

هذا الاهداء رغم بساطته لكنه عميق في معانيه فالشاعر رغم الاسم والشهرة التي حققها هو متواضع جداً فهو يحيي كل من علمه وساهم في بناء معارفه وشخصيته وعمل على تطوير أعماله الأدبية والشعرية, فهو تعلم ومازال يتعلم … بدأ الشاعر مسيرته الأدبية بنشر قصائده في الجرائد والمجلات التونسية والمشاركات في الامسيات واللقاءات التي كان يتصدرها أدباء ذلك العصر مثل محمد العروسي المطوي ونور الدين صمود والميداني بن صالح …

 

الشاعر التونسي سوف عبيد

أول ديوان صدر له سنة 1980 بعد أكثر من عشر سنوات من كتابة الشعر والنشر المستمر في الصحف وعنوان أول أعماله الأرض عطشى وكان عمره وقتئذ 28 وهذا دليل على تريث الشاعر على الاسم والشهرة … اختار سوف عبيد ان يكون مختلفا ومغايرا للأخرين في كتاباته فجعل له أسلوباً خاصا به؛ وبذلك يعتبر من المساهمين في حركة التجديد في كتابة القصيد والشعر …فالشاعر يرى أن النص الشعري لا حد له ولا يقف عند تعريف معين، فهو يتطور ويتجدد تبعا لتحركات الساحة الادبية والثقافية مواكبا العصر فالشعر بالنسبة اليه هو ذلك البناء المتجدد والشاعر هو ذلك المبدع الخلاق ويكتفي بقولة ” النص هو الدائم ” و ” النجاح في محاولة التجديد وليس في التقليد ” كيف لا ؟ والشاعر مطلع على شتى انواع الآداب والفنون غارف آكل منها قديمها وجديدها وحديثها وهو المتابع لكل حركات التجديد وقد أنجز عملا في هذا المضمار يحمل عنوان ” حركات الشعر التونسي الجديد 2008 ” ويدعو فيه الشاعر الى ضرورة التنويع والتجويد والتجديد وذلك بعدم الوقوف على الاطلال والاكتفاء بالتقليد وبعدم البكاء فوق الروابي امام القوافي ولا التوقف عند البحور في عجز وحيرة من كيفية العبور.

سوف عبيد شاعر متحرر مجدد فقد كتب في كل الأنماط والأجناس الأدبية كتب الشعر العمودي كما كتب الشعر الحر والمقفى والموزون والمنثور واختار لنصوصه لغة سلسة ظاهرها سهل وبسيط وباطنها بحث وتحقيق.

كما تجنب الشاعر في نصوصه المفردات الإباحية أو المبتذلة فلم أجد كلمات في نصوصه غير اخلاقية بالكاد وجدت له كلمتين ل ” سكارى ” ص 72 “يمرّ السّاهرون ،يمرّ السّكارى ، يمرّ عمّال الفجر، والقطط ..” وكلمة أظنها يتيمة للخمر ص 265 ” كالخمر قالوا واجودها من خبايا العتيق ” ومفردة ” النهدان ” تعدّ على الأصابع ص 15 “ضمّي رأسي إلى نهديك ” ص 96 “حتى وضع الراس بين النّهدين ” ص 269 ” وجدت رباط عنقه بين نهديها “

غلاف ديوان سوف عبيد

قراءة الديوان ؛ تضمّن الدّيوان إحدى عشر مجموعة شعريّة ذيّلت بسيرة ذاتيّة تحت عنوان ” بصمات وخطوات ” تتألّف من 25 نصّا وختم الدّيوان بحوار أجراه له الاديب عبد المجيد يوسف موضوعه الشعر والقصيد النثري المتداول اليوم ورايه في ذلك .. عناوين المجموعات الشعرية 1- الارض عطشى “21 نص” 2- نوارة الملح “13 نص ” 3- امرأة الفسيفساء “19 نص” 4- صديد الروح 94 نص في شكل شذارات او ومضات 5- جناح تحت السرب “30 نص 6 – نبع واحد لضفاف شتى ” 24 نص 7 – عمر واحد لا يكفي “23 نص ” 8 – الجازية “ملحمة من 12 سطر جمعت بين كل الاجناس الادبية في الكتابة 9 – حارق البحر “27 نص ” 10 – عاليا…بعيدا ” 23 نص ” 11 – واحدان ” 51 نص ” ثم القطار الذي فات ..

هو بصمات وخطوات من سيرة ذاتية عبارة عن المحطات الهامة من حياة الشاعر مازالت راسخة وحاضرة في ذاكرته وتتكون من 25 قصة قصيرة او حادثة من صميم الواقع واكبها وخاضها الشاعر وكان شاهد عيان لها واخيرا حوار الاديب عبد المجيد يوسف معه ان اعمال الشاعر متنوعة فقد كتب الشعر العمودي ما يفوق عن 30 وكتب في اللهجة التونسية كما كتب الحر والموزون والنثر وتنوعت ايضا عنواين قصائده فلم يترك شيئا لم يكتب عنه فقد كتب في الانسان والارض والكواكب والسلم والطبيعة والحب والمراة والطفل والاجداد والعلم والحكم والبحار والاطيار والالغاز وكان اسلوبه مرحا احيانا جادا احيانا اخرى وهازئا او متحسرا في حالات اخرى ارى ان سوف عبيد هو شهريار زمانه شاعر الحب والمراة والانسان والخير والسلام فهو يروي الحكايا ويسرد الاحداث كما لو كنا نقرا حكايا شهرزاد …وقد لجأ في كتاباته الى كل الاساليب الاليغورية والاستعارة والترميز والتصعيد والتلميح

والمباشر والخطاب, كما ان للذكريات والماضي اثر كبير على نفسية الشاعر وكل مرحلة حياتية من حياة الانسان …والامكنة الاولى التي علقت بذهنه كيف لا وهو الذي واكب تقريبا حياة ثلاثة اجيال فيعتبر أن العهد والوفاء والصدق والبهاء والعفوية والجمال قد فقدت مضامينها وغابت بغياب اصحابها …ولذلك ارى ان الشاعر لا يكتب الا في الايجابيات والامال والاحلام والقيم والخلاص ويحز في نفسه ان يجد في مجتمعات اليوم ماهم عكس ذلك واختم بملاحظة اخيرة في هذا التقديم الموجز ان المكان والشخصيات وخاصة المراة لهم اثر كبير وواضح في كتابات الشاعر الشعرية وهذا يبدو جيدا في قصائده التي يتباهى ويفتخر فيها احيانا او يتحسر ويتالم خصوصا عند المقابلة بين الماضي والحاضر والطفولة وبقية الاعمار وقد قال في نص غياب ص 54 ” كل الذين أحببتهم . أقاموا صدور مطيتهم . رحلوا . .. شكرا . دعوني أرجوكم . على تعبي أستريح . وفي نص فراق ص 55 يقول :”عقدت لها موجتين . على الخصر ؟ ثم انسابت سمكة . ” ونص البرتقالة ص 48 ” ثم نصبتك أميرة ؟ من الماء الى الماء .. ” ونص بيروت ص 52 ” فالعنكبوت في كل البيوت . من غرناطة الى بيروت .. “أما عن السعادة فيقول : ص 92 ” اسمه سعيد . اسمها سعيدة . ساكنان في حي السعادة . سعيد سعيدة . جالسان على العشاء . ثم , تصبحين على خير . تصبح على خير . أسدلا الغطاء ” وفي نص سبق لسان ص 92 ” كتبت المعلمة على السبورة . كلما رأيت قفصا . تذكرت العصفور . قرأ التلميذ ؟ كلما رأيت قفصا ؟ تذكرت الحرية ؟؟ “

إن سوف عبيد بهذا الانجاز أضاف الى الساحة الادبية والثقافية التونسية والعربية واطلق العنان للشعر وحلق به بعيدا .. فقصائده نابعة من القلب والروح والوجدان والواقع الملموس والمحسوس وكل المشاكل التي يعيشها انسان اليوم في تونس وفي كل العالم وهذه الخلجات لا تخص فردا معينا ولا تعني الشاعر فحسب فكل قارئ للديوان يخال انه يقرا نصوصا كتبت عنه أو له.

عن الخبر ال واي

شاهد أيضاً

“سوسْطارَة”… الحَفْرُ فِي عَوَالم الظِلّ

“سوسْطارَة”… الحَفْرُ فِي عَوَالم الظِلّ مقالة الروائي الكبير واسيني الأعرج عن ” سوسطارة”، لروائية حنان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *