الرئيسية / مجتمع / هناء نور تكتب : نقش بارز على حجر كريم

هناء نور تكتب : نقش بارز على حجر كريم

هناء نور تكتب "نقش بارز على حجر كريم"
هناء نور تكتب :

“نقش بارز على حجر كريم”

هناء نور
أشعر أن “ماجدا” تلاحقني، تركض خلفي بباروكتها الصناعية لتشد شعري بقوة، تريد أن تنتزعه من جذوره، أهرب من شبحها الآخر وهي صلعاء تماما مبتورة الثدي شاحبة الوجه، ماذا تريد “ماجدا” مني، ضربات قلبي تتسارع وجسمي ينتفض، أخاف أن أوقظ البيت فيضحكهم هلعي من مجرد فيلم!
هل Ma Ma مجرد فيلم فعلا؟!
لقد شاهدت الكثير من أفلام الرعب ولم أخف وضحكت من سذاجتها. فيلم Ma Ma اجتماعي، ليس رعبا ومر أكثر من شهر على مشاهدته ومازلت أشعر بخوف ما، ربما هو خوف الصلع والثدي المبتور؛ كم نخشى الأشياء الناقصة!
200 مليون شخص حول العالم شاهدوا هذا الفيلم قبلي، هل شعروا بما شعرت به؟!
هل شعرت بينيلوبي كروز “ماجدا” بطلة ومنتجة الفيلم بهذا الرعب الذي عشته، وما سر حرص بينيلوبي صاحبة أجمل ثدي على بتر ثديها في الأفلام؛ فقد سبق وأدت دور امرأة في فيلم elegy تضطر إلى بتر ثديها الذي قال في وصفه “بن كنغيسلي”: “أجمل الأثداء التي رأيتها في حياتي.”
ربما يطارد بينيلوبي شبح فقد الثدي البديع، فتواجه هذا الخوف بالعيش في دور المرأة التي يتنزع منها ثديها أو أنوثتها..
وربما كانت جرعة الألم في elegy مخففة، فأرادت بينيلوبي مضاعفة هذا الألم ومواجهته في فيلم Ma Ma الإسباني الذي أنتجته وقامت ببطولة دور ماجدا فيه.
“ماجدا” تفقد وظيفتها كمدرسة أطفال، وتعاني البطالة، كما أن وضعها مع زوجها والد ابنها غير مستقر، فهو يقيم مع عشيقته وتلميذته الجامعية في الوقت نفسه، وبالتالي لا تراه ماجدا تقريبا، فلا تعرف إن كانت متزوجة حقا أم لا، ويؤثر بشكل سلبي فيها إحساسها بفرق السن بينها وبين عشيقته، كما أنها تلقبها بالشقراء، وكأن اختلاف اللون والعمر يبرران خيانة زوجها!.. وفي ظل تلك التخبطات التي تتلقف ماجدا تعرف بمرضها بسرطان الثدي، والحاجة الملحة لاستئصاله..
رغم كل شيء تبدو ماجدا قوية ومتمسكة بالحياة والتفاؤل؛ ربما من أجل ابنها الطفل في المرحلة الابتدائية والمحب لكرة القدم..
في إحدى تدريباته لكرة القدم، تلتقي ماجدا “لويس توسار” أرتورو.. الذي كان مدربا لكرة القدم، ويحب أن يشاهد تلك التدريبات..
يبدع المخرج “خوليو ميديم ” في لعبة التقاطعات سواء القطع السينمائي أو التقاطع القصصي، فماجدا تحضر تدريبات اللعبة بعد تلقيها أول جرعة كيماوي وهي التدريب الأول لها في لعبة المرض، يأتي لقاؤها أيضا بأرتورو في الملعب. أرتورو الذي أجبرته الحياة على خوض تجربة فقد ابنته وكررت معه نفس اللعبة بمرور زوجته بمرض سرطان الثدي..
يصبح أرتورو قدر ماجدا كما تصبح هي قدره؛ قدره الجميل، والجزء الآخر من لعب الحياة معه بتكرار إفقاده من يحب..
تتقاطع تطورات حالة ماجدا وبدايات تعرفها عن قرب بأرتورو مع نهائيات حياة زوجته على فراش مرض سرطان الثدي في مستشفى خاص..
تساند ماجدا أرتورو دون أن تعرف سر اهتمامها أن تتابع معه مصيره!
في هذا الوقت وأثناء زيارة ما لأرتورو في المستشفى تقع عين ماجدا على ثدي زوجته السليم، ويعرف أرتورو منها أنها تعالج في مستشفى حكومي، وأن فكرة فقدانها للثدي بأكمله دون الاحتفاظ بالحلمة تضاعف ألمها.. يحتضنها أرتورو داعما فتسقط بين أصابعه أولى خصلات شعر ماجدا..
تستطيع بينيلوبي كروز التعبير عن كل ما تمر به ماجدا دون مبالغة في الآداء.. حتى المشهد الذي تواجه فيه المرآة وتحلق فيه شعرها بالموس، سيرى المشاهد ماجدا وليس بينيلوبي؛ ماجدا التي بدت من بداية الفيلم متفائلة وساخرة وقوية، ومحبة للحياة..
بعد وفاة زوجة أرتورو يندمج هو في أزمة ماجدا، ومن باب التضامن معها يهديها باروكة سوداء بنفس قصة شعرها قبل السقوط، كما يهديها الجزء السليم المستأصل من ثدي زوجته، فتفرح ماجدا بالحلمة كثيرا..
تعيش ماجدا وابنها وأرتورو كأسرة حقيقية ويتعلق ابنها بالرجل لحنانه ودعمه له في حلمه أن يصبح لاعبا شهيرا في عالم كرة القدم..
ربما لو لم يكن بالفيلم موسيقا؛ لبدا أكثر صدقا وقربا للحقيقة، لكن المخرج أراد للفيلم ألا يبدو تسجيليا، أو قصة حقيقية؛ وأظن أن نجاة الفيلم من فخ الحقيقة هو ما يجعله قابلا للاستساغة، كما أنه أضفى عليه بالموسيقا التي اختارها له طابعا رومانسيا ومؤثرا بشكل جمالي يخفف من قسوة الواقع الذي يناقشه الفيلم..
الحياة الرحيمة الجميلة التي تعيشها ماجدا مع أرتورو وابنها تصالحها على كل ما مضى، فحتى زوجها لم تعد غاضبة منه..
تفاجئ الحياة ماجدا مرة أخرى بوقوع جديد ومتقدم في المرض، أتقنت بينيلوبي كروز إحساس المرأة بالانهيار وانفلات الحياة من يدها في أقصى لحظات تمسكها بها..
يبكي أرتورو على كتف ماجدا، حين يعلم بأن المتبقي لها في الحياة أشهر قليلة، يتمنى لو أن بيده التبرع لها بحياته، لكن ماجدا تطالبه فقط بممارسة الحب معها، فلم تقع علاقة جسدية بينهما من قبل؛ رغم مشاعر الحب الكبيرة التي تحملها له ماجدا..
أراد المخرج أن يصور داخل الرحم وما يحدث له من انقباضات مع صوت دقات القلب للربط والاحتفاء بالفعل الجنسي كحدث دافع للحياة واستمرارها رغم كل صعوباتها..
عندما تعلم ماجدا بخبر حملها تبتهج كثيرا وتصر على الاحتفاظ بالحمل.. وتتمنى أن يأتي الطفل بنتا!
أظن أن هذا الحدث هو ما دفع الكثيرون لمهاجمة الفيلم، وهو أيضا ما عطل الاحتفاء العالمي بهذا الفيلم.. فماجدا أنثى لها تاريخ وراثي في السرطان، وفقدت أمها في طفولتها ولا تتذكر ملامحها، وهي أيضا ستترك طفلا يتيما خلفها، فما الداعي لإنجاب أنثى أخرى تحمل نفس المعاناة من هذا المرض اللعين، وأضراره على نفس من يحمله والمحيطين به..
ألا يجب أن يتدخل القانون لمنع الإنسان من توريث مرض السرطان؛ خاصة مع وجود تاريخ وراثي عائلي للمرض؟!
رأت ماجدا أنها لم تعرف السعادة في حياتها قبل أن تعرف أرتورو وتعيش معه وابنها حياة أسرية وعاطفية سليمة، وأن علة الروح قد تكون أشد قسوة من علة الجسد.. كما أن أرتورو فقد ابنته، ومن الجميل أن تعوضه بابنة؛ لأنه يستحق الأبوة عن جدارة برحمته وإحساسه بالمسؤولية!
هل يعفى أرتورو من مسؤولية إنجاب إنسان آخر نسبة احتمال أن يعاني السرطان كبيرة، وهو العالم جيدا والخبير بصعوبة العيش مع هذا المرض؟!
تترك ماجدا عدة رسائل مصورة لابنتها التي لن تراها توصيها فيها بالقوة وحب الحياة، والتمسك بأخيها ووالدها، وتغادر ماجدا الحياة بعد الولادة دون أن ترى وجه ابنتها.. وينتهي الفيلم بمشهد يجمع أرتورو والابن والطفلة معا..
أهدت بينلوبي كروز الفيلم لسيدات العالم موجهة إليهن رسالة بأن يفعلن ما يسعدهن.. فهل التصرف بأنانية يعتبر حقا إنسانيا؟!
ربما لو تم استئصال حدث انجاب الطفلة، لكان الفيلم عظيما، ولربما تم اعتباره الأفضل في مسيرة بينلوبي كروز.. لكن الفيلم رغم هذا الحدث الذي اعتبرته سيئا، ورغم ما ناله من انتقادات يظل جديرا بالمشاهدة وربما يظل نقشا بارزا في تاريخ بينلوبي كروز كممثلة ومنتجة..
فيلم Ma Ma 2015
هناء نور تكتب : "نقش بارز على حجر كريم" أشعر أن "ماجدا" تلاحقني، تركض خلفي بباروكتها الصناعية لتشد شعري بقوة، تريد أن تنتزعه من جذوره، أهرب من شبحها الآخر وهي صلعاء تماما مبتورة الثدي شاحبة الوجه، ماذا تريد "ماجدا" مني، ضربات قلبي تتسارع وجسمي ينتفض، أخاف أن أوقظ البيت فيضحكهم هلعي من مجرد فيلم! هل Ma Ma مجرد فيلم فعلا؟! لقد شاهدت الكثير من أفلام الرعب ولم أخف وضحكت من سذاجتها. فيلم Ma Ma اجتماعي، ليس رعبا ومر أكثر من شهر على مشاهدته ومازلت أشعر بخوف ما، ربما هو خوف الصلع والثدي المبتور؛ كم نخشى الأشياء الناقصة! 200 مليون شخص…
تقييم المستخدمون: 2.7 ( 2 أصوات)

عن الخبر ال واي

شاهد أيضاً

أدونيس: تبقى بيروت صانعة الثقافة في العالم العربي

أدونيس: تبقى بيروت صانعة الثقافة في العالم العربي هالة نهرا قُبيل أحداث غزّة التي شغلت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *