الرئيسية / ثقافة / مقالات ثقافية / هناء نور تكتب : كيف ابتلعوا الشمس!

هناء نور تكتب : كيف ابتلعوا الشمس!

هناء نور تكتب : كيف ابتلعوا الشمس!
هناء نور  تكتب :
كيف ابتلعوا الشمس!
— استطاع حمدي أن يستقطب روح الشمس فأضاءت له طريقه في الكتابة
-: أليس من العيب على أي حضارة أن يتسول الإنسان طعامه؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناء نور . كاتبة وصحفية مصرية

مع صدور الطبعة الثالثة لرواية “الصاد شين” عن دار روافد والتي يعتبرها حمدي أبو جليل روايته الأم والأكثر جرأة خاصة من حيث الأسلوب، اللغة، تعدد اللهجات.. تصدر أيضا الطبعة الإنجليزية منها عن الجامعة الأمريكية ببصمة المترجم الإنجليزي همفري ديفز والذي اختار عنوانا متميزا للرواية ويعبر عنها بدقة وهو “رجال ابتلعوا الشمس”

حمدي أبو جليل نفسه من الذين ابتلعوا الشمس، والشمس تعني له الكثير وقد يتضح ذلك حين يقول حمدي ويكرر: “النجاح إنك تجيب الشمس” 
هل يستطيع أحد أن يأتي بالشمس؟!.. استطاع حمدي أن يستقطب روح الشمس فأضاءت له طريقه في الكتابة، وبتلك الروح استطاع أن يصنع لنفسه اتجاها خاصا في السرد، وأظن أنني لو قرأت عملا لا يحمل اسم حمدي أبو جليل وكانت الكتابة له، فسوف أكتشف ذلك من بصمته في السرد وروحه الطاغية على ما يكتبه، إنها كتابة غير مصنعة ولا تحتاج إلى مواد حافظة، ولو استطاع الكاتب عموما أن يترك نفسه على سجيته في الكتابة فسوف يضمن الصدق نفسه  للكتابة البقاء..
حمدي أبو جليل غير مهووس بفكرة الأثر، أو الخلود، ويرى أن  الكتابة في حد ذاتها أحد سبل التحرر والخلاص، وهو صاحب مدرسة تخصه في الرواية يميل أن يسميها “رواية الإنسان”
كتابة الإنسان عن نفسه بصدق تتطلب شجاعة غير محدودة، وفي رواية “رجال ابتلعوا الشمس” كتب حمدي بشجاعة تكاد تكون مطلقة.. حين يكتب الأديب معاناته يؤرخ لمعاناة الإنسان في كل زمان ومكان..
وبالإضافة لأن “الصاد شين” تؤرخ لبدو الصحراء الشرقية، تتحدث بشكل رئيسي أيضا عن أزمات إنسانية غير معلوم إن كانت ستنتهي في يوم ما.. 

فقدان الهوية، الفقر، وضع تحت الفقر نقاط عديدة، فهو من ظلمته يدفع الإنسان لكل هذا “التضبيش في الوحل” الظاهر بوضوح في الرواية،  كما يدفع القارئ للبكاء رغم أسلوب حمدي الساخر، وحبه الحقيقي لاستخلاص الضحكة ولو من واقع لا بصيص من أمل فيه..

الروائي حمدي أبو جليل
من ألطف وأكثر العلاقات لطفا في “الصاد شبن” علاقة حمدي بوالدته؛ التي يعتبرها معلمته الأولى رغم أميتها، غير أنه أضاف نقاطا رقيقة ومؤثرة  فهو يقول “لم أر شخصا بحياتي يتشكشك من الكلام زي الإبر قد أمي” كان كلام ونظرة الآخرين لها موجعة، فلأنها امرأة يرون أنها لن تفلح بالطبع في التربية، لذا اعتبرت حمدي راجلها منذ صغره، يقول حمدي: كنا أنا وأمي “باستثناء الجنس” نتعامل كرجل وزوجته، كنت أتمنى أن أحقق لها كل ما يرضيها، لذلك “مطرح ما كانت تدبني أندب” حتى فكرة سفره كانت هي صاحبتها والدافعة إليها..
وتستعرض الرواية بوجه عام فكرة الغربة من أجل عيشة أفضل، بل ومن أجل لقمة العيش لدى الكثيرين، خاصة هؤلاء البدو الذين لم يكونوا محل اهتمام الحكومة منذ عهد مؤسس مصر الحديثة، بل كانوا محل شك وحذر.. كانوا يعيشون في الخيام ويحملون السلاح ويمارسون السطو على قرى الفلاحين ونهبها بمنتهى الفخر، لكن محمد علي ليتجنب خطرهم كفئة مسلحة على قدر كبير من الهمجية، سن لهم امتيازا رسميا سمي “امتياز العربان”  وخصص لهم مكاتب وسجلات في الشرطة والقضاء، واعتمد أعرافهم وتقاليدهم في قضاياهم، وسمح لهم بالإقامة في الخيام وحمل السلاح؛ بشرط عدم تخطي مساحة الأرض المخصصة لهم، كما أعفاهم من التجنيد في الجيش، وظل الإعفاء من التجنيد من أهم امتيازاتهم حتى ألغاه الرئيس جمال عبد الناصر.. 
غلاف رواية “الصاد شين”

أضاف حمدي أبو جليل فكرة جديرة بالتأمل حين قال “الإنسان المتحضر يخاف، وإن الخوف يتناسب طرديا مع تقدم الامم”!

يرى أيضا حمدي أبو جليل أن مخترع السلاح إنسان جبان، والشجاع الحقيقي يخاف السلاح ويرفض أن يحمله، ولن يرتقي الإنسان ويرتاح حقا إلا بالخلاص من السلاح.. كانت هذه الفكرة بقدر نبلها مثيرة للاستغراب بالنسبة لي، خاصة وأن حمدي روى في “الصاد شين” عن آفات العالم السفلي، فهل من الممكن أن ينقطع السلاح في هذا العالم في يوم ما!
ومن مشاهد الرواية التي لا يمكن أن تمر دون أن تترك أثرا غامضا؛ مشهد وقوف الناس في طوابير أمام كنائس إيطاليا من أجل الأكل.. هذه المسألة تلخص الرحمة والإهانة عبر حمدي عنها بدقة في كلمات مختصرة، فهذه الأزمة لا تمس المغترب عن بلاده فقط، أو من هاجر بشكل غير شرعي، إنها صرخة إنسانية كبيرة تتساءل: أليس من العيب على أي حضارة أن يتسول الإنسان طعامه؟! لكنها قلة الحيلة التي تدفع الإنسان للتجرد من أشياء ثمينة، لخصها حمدي أبو جليل في بيت شعر للمتنبي “من يهن يسهل الهوان عليه.. ما لجرح بميت إيلام”.
هناء نور كاتبة مصرية
عضو نقابة اتحاد كتاب مصر
صدرت لها كتب:
شيء من القهوة.. مجموعة قصصية
لأسباب شديدة الهشاشة.. مجموعة قصصية
نشرت  إبداعاتها  من قصص قصيرة ومقالات متنوعة في العديد من المجلات المتخصصة والمواقع الإلكترونية

عن الخبر ال واي

شاهد أيضاً

“سوسْطارَة”… الحَفْرُ فِي عَوَالم الظِلّ

“سوسْطارَة”… الحَفْرُ فِي عَوَالم الظِلّ مقالة الروائي الكبير واسيني الأعرج عن ” سوسطارة”، لروائية حنان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *