الرئيسية / مجتمع / أكراد في السجون الكردية: كرد يسجنون الكرد

أكراد في السجون الكردية: كرد يسجنون الكرد

أكراد في السجون الكردية: كرد يسجنون الكرد

أكراد في السجون الكردية: كرد يسجنون الكرد

    صدر مؤخراً للباحث الكردي المقيم في ألمانيا حسين جلبي كتاب جديد، يتناول شهادات واعترافات لعشرة معتقلين كرد في سجون الاتحاد الديمقراطي بعنوان: “أكراد في السجون الكردية” عن دار نرد للنشر والتوزيع في 200 صفحة من القطع الوسط، وبطباعة أنيقة، وهو الكتاب الرابع في سلسلة كتب الباحث عن كرد روج آفا خلال سنوات الثورة السورية،  وسلب إرادة كرد سوريا من قبل حزب العمال الكردستاني، إذ إن الباحث جلبي أحد الكتاب الكرد الأكثر جدية في تناول معاناة كرد سوريا في ظل من يعدون أخوتهم من الاتحاد الديمقراطي الجناح العسكري والسياسي لحزب العمال الكردستاني ب ك ك ، إلا إنهم جعلوا من كرد سوريا معبراً لأجندات خاصة بهم، وإن استغلوا دماء هؤلاء، إذ إن قلة من الكتاب الكرد ومن بينهم الباحث جلبي واجهوا هؤلاء بجرأة، بعيداً عن أية عاطفة، رغم أن بعض الكتاب الكرد لما يزل غير قادر على التخلص من ربقة عاطفته.

يهدي الكاتب كتابه “إلى الذين كسروا صمت السُّجون الكُرديّة، فكان هذا الكتاب الذي أزاح الغبار عن بعض قضبانها، وإلى الذين غابوا دون أثر في غياهب تلك السُّجون، وما زالت أرواحهم تبحث عن طريق العودة، وإلى أرواح الذين فقدوا حيواتهم في تلك السُّجون، وكل من يعمل على تحقيق العدالة لضحاياها”.

يدحض الباحث وهم أخوة مستلب إرادة ذويه، ومن واجههم بالأسر والسجن والتغييب وامتصاص الخيرات بل والدماء من أجل محض أوهام. ومما جاء في مقدمة الكتاب التي تبين عالم هذا المبحث الأكثر أهمية:

ليس مستغرباً وجود معارضين في سجون السلطات الحاكمة، في البلدان غير المستقرة، طالما أنَّ الاحتفاظ بالسلطة فيها يتم بالقوة، ويحسم انتقالها نتيجة الصراعات الدموية بدلاً من صناديق الانتخاب. لكن وجه الغرابة بالنسبة للكُرد في سوريا، الذين عانوا من عدم الاعتراف بهويتهم منذ تأسيس البلاد قبل قرن من الزمان، ومن حرمانهم من أبسط وسائل التعبير عن أنفسهم، وعدم منحهم أدنى أشكال إدارة شؤونهم، هو أن بناء السُّجون الكُرديّة وزج الكُرد فيها، سبق الإعلان عن أول إدارة باسمهم من قِبل حزب العمال الكُردستاني، وقَبل تقديم القائمين على تلك الإدارة أية خدمة لهم، درجة أن البيوت الواقعة على أطراف المدن الكُرديّة وفي قراها البعيدة، وحتى بعض الكهوف في جبالها النائية، بالإضافة إلى مقار التدريب العسكري السريّة التي أخذت بالتكاثر، استخدمها الحزب مراكز احتجاز وإخفاء وتعذيب للكُرد، قبل أن تبدأ الإدارة الحكومية السورية بالتراجع في المناطق الكُرديّة السوريّة إبّان الثورة على نظام الأسد، هذا قبل أن يستلم الحزبُ المنطقةَ وبعض سجونها من النظام، ثم يسارع إلى بناء أُخرى بعد إطلاق تسمية روجآفا عليها، وإعلانه عن الإدارة الذاتية الديمقراطية فيها، بعد ازدياد أعداد المعتقلين لديه، بما يفوق الطاقة الاستيعابيّة لمراكز الاحتجاز العشوائية والسجون القائمة، خاصةً بعد أن أضافت إدارته تهماً جديدة إلى تلك التي كانت توجَّه للكُرد عادةً، اختلقها على مقاس سياساته القائمة على الاستفراد بالسيطرة على المنطقة بأيِّ ثمن.

ظهر مصطلح (الأكراد في السُّجون الكُرديّة) لأول مرة في سوريا، في التظاهرة التي شهدتها مدينة القامشلي في السادس والعشرين من آذار 2013، بدعوة من إئتلاف حركات شبابية يُطلق على نفسه (كلّنا لمناهضة الخطف)، للاحتجاج على تصاعد عمليات الخطف والاحتجاز والإخفاء والضرب بحقّ ناشطي الثّورة من الكُرد، التي وقف حزب العمال الكُردستاني وفرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي مع أذرعته العسكرية والأمنية وحتى المدنية وراءها. توجهت تلك المظاهرة نحو منزل الشّاب أحمد فرمان بونجق، الذي اختُطف على أيدي مجموعة ملثّمة، تبيّن بأنّها تابعة للحزب، ثم جرى قتله في وضح النهار بعد وقت قصير من الإفراج عنه، وأصبح المصطلح متداولاً على نطاق واسع، مع ازدياد أعداد النشطاء الكُرد في سجون الحزب، خاصةً بعد رفعه في المظاهرات التي جرت بعد ذلك بأيام، وأوسعها تلك التي شهدها حي العنترية من المدينة، والتي حوّلها منظموها إلى (اعتصام تضامني مع المختطفين الكُرد في السّجون الكُرديّة)، في إشارة إلى النّاشطين الكُرد المحتجزين في معتقلات حزب الاتحاد الديمقراطي.

إن قصص الاختطاف والاحتجاز والتعذيب التي يتناولها هذا الكتاب، هي لكُرد ناجين من سجون حزب العمال الكُردستاني، تحدّث أصحابها عبر مقابلات حصريّة أجريتها معهم، عن بعض ما جرى لهم وهم تحت وقع صدمة مضاعفة، بسبب اعتقاد كثيرٌ منهم حتى لحظة اعتقاله، بوجوده بين أيدي كُردٍ مثلهم، أخوةٌ لهم، كانوا معاً ضحايا سياسات طويلة من القمع والإنكار القومي، دفع وقعها الثقيل وضياع الأفق واليأس كثيرين إلى تمنّي أيّ شكل من أشكال الحقوق، حتى إذا كانت في صورة سجّان كُردي وعلى يديه، توهّموا بأنّه سيعمل على رفع الظلم والإنكار عنهم، وتحقيق حقوقهم القومية وحتى أحلامهم الشخصية، هذا قبل أن تعيدهم صنوف التعذيب التي مورست عليهم إلى الواقع الذي يقول: إن سجّان البيت يعاني من الأميّة القوميّة ولن يكون بالتالي المُحرِّرَ من العدو الخارجي، ذلك أن ما تعرضوا له في سجونه تجاوز ما شهده بعضهم، أو علموا بوقوعه للكُرد في أقبية أجهزة مخابرات تعاديهم، وقد عزز مثل هذا اليقين، اختفاء آثار بعض المحتجزين إلى الأبد، وتوالي ظهور صور آخرين قُتلوا تحت التعذيب في سجون الحزب، والذين كانت روايتهم الوحيدة عما تعرضوا له، هي آثار التنكيل الذي ظهر على جثثهم، ولعل قصة الشاب حنان حمدوش من عفرين، والذي سُلِّمَتْ جثّتُه المشوّهة في اليوم التالي لعرسه، والشاب أمين عيسى من الحسكة، وهو والد طفلين، استخدم الحزبُ تقاريرَ طبية كاذبة لإنكار ما ظهر على جثته من آثار تعذيب وحشي، هما مثالان على مئات حالات القتل، وما يمكن أن يكون تعرض له مخفيون قسريون على أيدي الحزب.

يضمُّ هذا الكتاب بين دفتيه، عدداً من قصص التعذيب الذي مارسه حزب العمال الكُردستاني على عددٍ من الكُرد، من بينهم نشطاء ثوريون وإعلاميون وسياسيون وعسكريون، لها طابع توثيقي مثلما هو قصصي، يروي فيها الضحايا، وبعضهم ممن لا يزال حريصاً على إخفاء هويته، علماً أن المطاف انتهى بمعظمهم إلى خارج البلاد، ما تعرضوا له خلال احتجازهم في معتقلات الحزب، في بدايات سيطرته على المناطق الكُرديّة السّورية، وبعض وسائل التعذيب التي استخدمها عليهم، ويُعتبر الكتاب بذلك صورة لأحد الجوانب المسكوت عنها في الوضع الكُرديّ، وأبعد من ذلك، وثيقة عن الانتهاكات التي تعرض لها الكُرد بأيادي كُرديّة.

إن دوري وأنا أستمع إلى القصص المرعبة الواردة في الكتاب، وأشكر بالمناسبة أصحابها على الثقة التي منحوها لي، وقلوبهم الكبيرة التي فتحوها رغم الآلام التي تعتصرها، لم يكن سوى تدوين الشهادات التي قدموها، والتي تُبيّن شجاعتهم في مواجهة ما جرى لهم، رغم صعوبة التجربة التي مروا بها، وما فيها من لحظات ضعف إنساني، وربما ساعدهم في ذلك بالإضافة إلى إرادتهم، كون الحزب في بداياته وقتها، ولم يكن ذهب في تعامله إلى أقصى الحدود بعد، حسبما يستدل عليه من الشهادات، بل كان يهدف إلى التهويل، لتخويف الضحايا وتحييدهم وإخضاعهم، وحتى محاولة تجنيدهم في صفوفه.

ويذكر أن لوحة غلاف الكتاب للفنان ديلاور عمر، والغلاف من تصميم فايز عباس.

عن الخبر ال واي

شاهد أيضاً

أدونيس: تبقى بيروت صانعة الثقافة في العالم العربي

أدونيس: تبقى بيروت صانعة الثقافة في العالم العربي هالة نهرا قُبيل أحداث غزّة التي شغلت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *