الرئيسية / ثقافة / قصة ورواية / العصفورة ,, قصة قصيرة .. القاص عبدالرحيم بوحفحوف/ ليبيا

العصفورة ,, قصة قصيرة .. القاص عبدالرحيم بوحفحوف/ ليبيا

                    العصفورة 

القاص عبدالرحيم بوحفوف ليبيا
القاص عبدالرحيم بوحفحوف ليبيا

القاص عبدالرحيم بوحفحوف/ ليبيا

ذكراها تنغرس في قلبه .. ناراً .. خنجراً .. ألماً .. روحها تهب في كل مكان .. و أنفاسها تنعش أيامه بنسماتها الندية .. و كلماتها لازالت تعانق خياله .. إلي أين تسير به أفكاره .. إنه يكاد يسأم حياته .. ولم يستطع التأقلم مع سواها .. لأنها كانت قبل أن تحبه تفهمه و تملك المحبة و المودة في قلبه .. لكن القدر شاء أن ترحل باكراً مثل سحابة في وسط الخريف .. بعد مرض مفاجئ لم يمهلها طويلاً .. لم تكن تجربته معها فاشلة .. بل كانا قد خططا لكل شئ .. و تعاهدا علي الزواج .. و اختارا لكل خطوة موعداً.. و أقسما أن يكملا المشوار معاً .. لكنها ……….. الأيام .

كما لم يكن غريباً أن يحزن عليها كل هذا الحزن .. و أن لا يستطيع الخلود إلي نومه بسهولة .. لأنه تعود سماعها كل ليلة و هي تشدو : ( أنت تقول و تمشى .. و أنا أسهر مانامشي .. يللى ما ….. ) ها هي حياته اليوم .. أو هام و سراب و مواسم جفاف .. و جراحات تتفتق و تلد جراحاً و أوجاعاً .. ها هي ذكرياته يراها جميلة لأنها لا تنتهي  .. كما هي  أماكن عيشنا تكون محببة إلينا أكثر عندما نبتعد عنها .. و ها هو يصر علي الرغبة في الخروج و أيجاد حل لأزمته الراهنة .. رغم أن أساسات مملكته تتصدع و تتداعي … ويحاول معاودة الوقوف بعد كل تعثر .. ويوهم نفسه بتكابر .. بأن الأمور ستكون علي خير ما يرام .. وحيداً .. ساكناً .. هادئاً .. و في قلبه جرح يثور و يتكلم .. و يبتسم للآتي .. و في ناظريه تتجمع دموع العالم !! تحرك الآن من سريره .. وقف قبالة النافذة .. حدق في الشارع ملياً .. لاشئ سوى سكون الليل .. عمود الإنارة الحديدي الذي ينتصب موازياً لجدار غرفته .. يحمل فوق رأسه كشافاً له ضوء ليزري قوي .. يسبب بعض الأرباك لتك الطيور التي تعشعش في ثقوب الجدران .. و يقلب ليلها إلي نهار .. فتنسى المواعيد التي تغدو فيها خماصاً  .. و يسجلها في قوائم الكسالي .. بقى ساهراً بعض الوقت بعد أن توضأ و صلي الفجر .. لم يجد بعدها ما يفعله .. راودته بعض التخيلات .. هو يعاني الوحدة .. وعقله يعجز عن أستيعاب هذه الفظاعة .. ربما يستطيع الهروب من غرفته .. من مدينته .. لكنه لم يقوى علي التخلص من أحزانه التي تلفه بأسمال الكآبة .. مسح بيمناه علي محياه .. و تفطن لتأخر  زقزقة تلك العصفورة .. التي صار يتفاءل منذ أشهر بالإستماع إلي تغريدها عند زاوية نافذته كل صباح .. خاف أن يكون قد حدث لها مكروه .. قبل أن تقيم له شهر عسل شجي تحت الشمس .. لم يفهم حتى الآن ما الذي جعل صديقته العصفورة تؤجل تقديم سيمفونيتها الشبيهة بالحلم .. شك في عقارب ساعته .. تساءل : لا يبدو أن ساعتي هذه مضبوطة .. طوي سجادته .. وشرب ما تبقى في كوبه الزجاجي من ماء ..و قرر أن يبحث عن جارته المغردة .. بعد أن فتح زجاج النصف الأيمن من نافذته .. تفحص بعينيه عشها داخل ذلك الثقب في منتصف الجدار .. تعجب من فراغ العش .. فجأة لمح شيئاً  يشبهها ملقى علي الرصيف .. أسفل الثقب الذي تسكنه مباشرة .. إرتدى معطفه .. و غادر غرفته بسرعة إلي المكان .. كانت فعلاً صديقته العصفورة .. التي تعود رؤيتها و سماعها منذ زمن كل صباح .. و قد أخترقت جسمها الصغير ( رشة ) من بندقية هواء .. ربما علي يدي طفل رأي أنها لا تستحق كل هذا العمر المديد و سكنها المجاني .. بصعوبة حاول الوقوف .. وهو يسب الموت الذي صار يحرمه من كل ما يحب .. و يشتم حظه العاثر الذي خذله .

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

وادي السهل – كمبوت – 1990 م

 

عن الخبر ال واي

شاهد أيضاً

هناء نور : تكتب “علبة حليب” قصة قصيرة

هناء نور تكتب : “علبة حليب” قصة قصيرة يؤلمني جدا حين يعتصر ثديي في كفه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *