الرئيسية / ثقافة / مقالات ثقافية / قراءة في قصيدة “الجدار الحجري” لـ”نيالاو حسن أيول

قراءة في قصيدة “الجدار الحجري” لـ”نيالاو حسن أيول

قراءة في قصيدة “الجدار الحجري

للشاعرة “نيالاو حسن أيول

بقلم الناقد والشاعر أمجد ريان

للشعر السوداني نكهة شديدة الخصوصية نكهة ذات عبق إنساني متميز ، وفيه نزوع دائم لإيقاظ الروح البدائية الكامنة فينا جميعاً والتي تنتقل من جيل إلى جيل ، والتي تعبر بفرادة عن امتزاج الحسين الحياتي والجمالي . ومعنى البدائية هو حقيقة أولية لابدّ منها كقاعدة ينبني عليها كل نشاط إنساني وكل تطور أو إنجاز جديد للبشر ، وهي جزء حي من طبيعة الانسان وروحه وفطرته التي لايمكن أن تزول ، بل تظل ترتبط بقوة الفكر والتأمل لدى الإنسان

الشاعرة نيالاو حسن/ جنوب السودان

والروح البدائية تنتبه إلى العالم الحي من حولنا ، عالم الأرض الخصبة والأشجار والمراعي والحيوانات والكائنات الأخرى ، وتطرح البراءة الكاملة حيث لاتوجد أي درجة من درجات التكلف ، ويصبح الإنسان على طبيعته المفطور عليها : طبيعة الحنان والروح النقية والشجاعة العقلية والنفسية ، والشاعرة “نيالاو” تسعى باستمرار لتفسير العالم على نحو متجدد ، و لديها حلم كبير دائم هو حلم فهم قانون الحياة الذي جسدته في هذا النص من خلال معطيين أساسيين هما الجدار المنزلي و الجدارالجبلي . 

الجدار المنزلي يحتوي النافِذَة حيث تكون وقفتها مع القط ، وهي وقفة لها طابع رمزي تحكي العلاقة التاريخية والتأريخية مع الحيوان . والجدار يطرح معطيات متعددة ففيه تَأمل الفَقِير في وهجِ حزنه ، وتحته وعاء الفخار البسيط ، أو الإناء اليومي للإنسان البسيط ، وفي اعلاه صورَة المَسِيح في وضع الصلِيب ، وآيات في الإِطَارِ المُذَهَّب ، والوصايا العَشر تئن ، إنه جدار الحياة التي تفيض بمادياتها وروحانياتها . 
أما الجدار الجبلي فهو يشير للطبيعة القاسية وحيث كُل حَصاة أقسَى من الحجرِ ، وحيث الكهفيات التي صورت علاقة الإنسان بالحيوان منذ المراحل الآدمية المبكرة وصورت قطعان الثيران وصيدها . 
وفى النص براءة تشبه براءة الميثولوجيا الإغريقية ، عندما أرسل الإله “أبولو” غرابا ليجلب له الماء ، ولكن الغراب رأى شجرة التين فأهمل مهمته ومكث ينتظر نضج فاكهتها التي خلبت لبه ، وتشبه براءة حكايات الأطفال في قصة الغراب الواقف على شجرة التين ماسكاً بقطعة الجبن بمنقاره حتى ضحك عليه الثعلب وسخر منه ومن حكمته ودفعه للغناء لتسقط قطعة الجبن ، وقصص الأطفال عن تعليق الجرس برقبة القط ، وهكذا تفاجؤنا الشاعرة بأساليبها المتنوعة للكشف عن مكنونات النفس البشرية وذخائرها المخزونة في اللاوعي .
والنص يشرح آلام الإنسان ومعاناته حيث تحاصره طقوس الألم والحسرة ، وتنفجر التفاصيل الأليمة في العين ، وحيث يتواطأ الغموض مع ظلال الضجر ، وهناك مطارق تَئِن في أعلى نُقطة بالرأسِ
تضرب بالحديد على نول الزمن ، هناك مشقة وإحباطات دائمة وحَبات العَرَق تتجمَّع لتختلط مع شوَائب الهواء . وهكذا تكون رحلة الإنسان الشاقة التي بدأت مع الإنسان الأول الذي كان يصارعها ، ويريد أن يودعها ويودع سلبياتها الخانقة . والشاعرة الحساسة ترثي العالم برهافة ، وتعيد رثاءه المرة تلو المرة ، وهي لاترثي العالم في هذا النص فقط ، بل هي دائماً ما ترثي العالم في كتاباتها بشكل ضمني ، ودائماً ما تعايش حالة من القلق الشعري والتوتر الإنساني ، لأنها تريد أن تودع العالم شديد القسوة ، تريد أن تغيره ، وتريد في النهاية أن تناقش العلاقة بين الموت والحياة ، كما أنها ترفض عالم الخوف والوحشة والأشباح ، باحثة عن لحظات الصفاء والأمن ، ولحظات التحقق الكثيف للمعنى الإنساني من خلال تاريخ من التجارب والخبرات .
والقط هنا مختلف عن “القط الأسود” المرعب الذي قدمه على سبيل المثال الكاتب الأمريكي “إدجار آلان بو” ، ومختلف عن القط الأسود في المجتمع المصري الشعبي في العصور الأخيرة كما لو كان فألاً سيئاً .. ولكن الشاعرة تقدمه كرمز أفريقي عميق الدلالة ، لتناقش قضايا كثيرة ، من بينها الوحدة بين الإنسان والكائنات ، وبالتأكيد فالمسالة لها علاقة بتراث وفلكلور الحضارات الأفريقية والنوبية والزنجية بشكل عام ، والشاعرة في آخر النص تنادي القط برقة متناهية ، ليحضر إليها قبل أن تغلق النافذة .
أما في مصر القديمة فلقد تفاعل الإنسان مع الحيوان منذ بداية التاريخ من خلال علاقة وثيقة ، وهناك نموذج القط العظيم الذي ذكر في “هليوبوليس” في “كتاب الموتى” على أنه : (كائن شمسي قديم غاية القدم، وأنه يحمي الناس ويمزق الأفعى الشريرة أرباً أسفل الشجرة المقدسة) . وإلى الدولة الوسطى تنسب أول مومياء عرفت للقط . وقد جُعل القط “إلهاً” ، وقد أحضره المصريون من الجنوب ويشبهه الآن كثيراً القط الحبشي الأفريقي .
وقد عد المصريون القدماء القط ضمن الحيوانات المقدسة ، وكانوا يقدسون كثيراً من الكائنات من مثل : أبي قردان والصقور والقطط والكلاب فإذا ما ماتت تدفن حسب الطقوس الدينية ، فتدهن بالزيت وتلف في أكفان من الكتان المنسوج . وجاء في (معجم الحضارة المصرية القديمة : أن قداسة القط مرادفة لقداسة وقوة إله الشمس “رع” ، ويقول هيرودوت : إن المصري يمكن أن يترك أمتعته تحترق ويخاطر بحياته لينقذ قطاً من الحريق)

الجدار الحجري .. للشاعرة نيالاو حسن

عن الخبر ال واي

شاهد أيضاً

“سوسْطارَة”… الحَفْرُ فِي عَوَالم الظِلّ

“سوسْطارَة”… الحَفْرُ فِي عَوَالم الظِلّ مقالة الروائي الكبير واسيني الأعرج عن ” سوسطارة”، لروائية حنان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *