تتعايش حنين عبدالله (19 عاماً)، أصيلة مدينة طبرق ـــ شرق ليبيا ــ، مع إعاقة حركية منذ الولادة، الأمر الذي حال دون تلقيها التعليم بشكل طبيعي لغياب مقومات البنية التحتية الخاصة بحالتها في المدارس العامة والخاصة.

دراسة منزلية

بسبب إعاقة حنين الحركية، قامت أسرتها بإيداعها مركز بنغازي لتأهيل المعاقين، لتدريبها على تعليم المهارات الحياتية في سن 3 سنوات، والذي ما لبثت فيه عاماً حتى أغلق هو الأخر أبوابه لعدم وجود قسم الإيواء والإقامة، فعادت حنين أدراجها بكرسيها المتحرك إلى منزل أهلها في طبرق.

مع بلوغها السادسة بدأت الطفلة الحالمة بالدراسة المنزلية، وتلقت الدروس المقررة على يد والديها، لتدخل على امتحان نهاية العام الدراسي بمدرسة الحرية، وتجتازها بتفوق وتتنقل بتقدير ممتاز في التدرج التعليمي إلى الصف الرابع.

ومع وصولها للصف الرابع بدأ مشوار الصعوبات والعوائق، فلم يستوعب قطاع التعليم قدراتها بالرغم من تميزها الدراسي وتفوقها، وهي التي تقوم على متابعة أشقائها الأصغر منها في واجباتهم المدرسية؛ تُحمِّل مسؤولية تعثر تعليمها للمسؤولين على قطاع التعليم في البلاد، وتتمنى لمماثليها من ذوي الإعاقات أن تتاح لهم فرصة تلقي تعليم يناسب أوضاعهم.

حنين عبدالله

تقول حنين لـ”مراسلون” إن المدارس في بلادها لا تضع في حسبانها ذوي الاحتياجات الخاصة، ولا تتعامل على أساس الحقوق والواجبات والحريات، لهذا “ضاعت فرص تعليمي”، وتضيف “جهد أبي ومساعيه لمحاولة منحي هذا الحق كانا كبيرين، لكن في مثل حالتي الحل لابد أن يكون من الدولة”، وبشكل رسمي، لأن تذليل صِعاب إعاقتها من وجهة نظرها أمر أصعب من القدرات والإمكانات الذاتية.

حلقة وصل

من حنين وما تعانيه من تعثر، انتقل “مراسلون” إلى مكتب الفئات الخاصة بقطاع التعليم بطبرق، للوقوف على حجم المشكلة، وما الإجراء المتبع، و كيف يتعاملون مع ذوي الإعاقة الحركية.

وحدة المتابعة والتقويم بمكتب الفئات الخاصة بقطاع التعليم بطبرق “تعي هذه المعاناة جيداً” حسب سالم ادريس رئيس الوحدة، الذي ذكر أن لديهم أكثر من (100) حالة مسجلة تعاني الإعاقة الحركية، ومكتب الفئات الخاصة يعد حلقة وصل بين هذه الشريحة وقطاع التعليم، من الناحية التعليمية، ويفترض به تذليل الصِعاب التي تواجه هذه الفئة وتقف حجر عثرة في طريق مسيرتهم التعليمية.

وأضاف إدريس أن الإمكانات غير متاحة، فالمكتب عاجز عن تقديم الخدمة الكاملة لهم، لهذا “نرى” عددا كبيرا من من ذوي الإعاقة الحركية لا يواصلون دراستهم، باستثناء القليل منهم الذي استطاع إتمام دراسة مرحلة التعليم المتوسط فقط بإمكانيات ذاتية وخاصة، فالدولة حتى هذه اللحظة لم تضع في حسابها أي برنامج لحلول مشكلات هذه الفئة من النواحي التعليمة ومعالجتها بحسب رئيس الوحدة.

وتابع إدريس أنه عند توجيه أي حالة “إعاقة حركية” لغرض الدراسة لمدرسة ما، فإنه يكون مصحوباً بطلب كتابي إلى إدارة المدرسة المعنية بقبول الحالة، و محاولة تهيئة ظروف دراسة مناسبة واستيعابها قدر المستطاع.

وترتكز المشكلة في عدم هندسة البناء المدرسي مع المواصفات العالمية التي تراعي هذه الفئة، حسب سالم ادريس، الذي أكد على ضرورة مراعاة الهندسة المعمارية في الخطط المستقبلية من قِبل مكتب مشروعات التعليم؛ وذلك من ناحية إعداد مدخل خاص للعربات المتحركة، ومصاعد، ودورات مياه خاصة بذوي الإعاقات الحركية، بشكل يُمكّن كل الفئات الخاصة من الاستمرار و التعايش مع العملية التعليمية كحق أصيل لهم.

التأهيل النفسي

الرعاية الخاصة والتأهيل النفسي والجسدي والدمج الاجتماعي والمهني بحسب سالمة ناجي أستاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة طبرق؛ من أهم ما يحتاجه ذوو الإعاقة الحركية، وهذا لا يتأتى إلا بتغيير نظرة المجتمع لهم، و تشجيعهم على القيام بأدوارهم المنوطة بهم؛ ليتعزز لديهم الشعور بأنهم أشخاص فعالون، مما يشجعهم على التكيف النفسي والاجتماعي من خلال تكوين علاقات والتفاعل مع الآخرين، وتحقيق الانسجام مع ذواتهم ومع من حولهم.

وتضيف ناجي أن حق التعليم من الأساسيات التي يجب أن يتمتع بها ذوو الإعاقة الحركية، ليس لغرض التعلم والمعرفة وتوسيع المدارك لديهم فحسب، وإنما كأسلوب وقاية وعلاج من مشكلات أخرى كثيرة يمكن أن تصيبهم، فحرمانهم من حقوقهم و سبل تفاعلهم في المجتمع تقول ناجي إنها تؤثر حتماً على الجهاز النفسي لديهم، و تُسبِّب في إعاقات بأشكال أخرى، كظهور سمات شخصية غير سوية في البيئة النفسية لديهم كالانطواء والعزلة، بالإضافة إلى الميول الانسحابية والشعور بالنقص ورفض الذات وكراهيتها، والشعور بالدونية وعدم الشعور بالأمن.

حق دستوري

ما أوردته أستاذة علم النفس الاجتماعي سالمة ناجي، في حديثها لــ”مراسلون” أتى به مقترح مشروع دستور الدولة الليبية، الذي يُنتظر إقراره من السلطة التشريعية، فقد جاء في المادة (60) الخاصة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ما نصه “على أن تلتزم الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة صحيًا واجتماعيًا وتعليمياَ و سياسيًا واقتصاديًا ورياضيًا وترفيهياً على قدم المساواة مع الآخرين، وعلى الدولة أن تعمل على تهيئة المرافق العامة والخاصة، والبيئة المحيطة التي تمكنهم من الاندماج في المجتمع بصورة كاملة و فاعلة، واتخاذ التدابير اللازمة لتفعيل القوانين التي تضمن ذلك”.

لم تكن حنين الحالمة بمستقبل واعد هي الوحيدة ضحية تجاهل الدولة والمجتمع لحقوقها الأصيلة المتمثلة في فرصة التعليم، بل تعج سجلات مكتب الفئات الخاصة بقطاع تعليم طبرق، بكثير الحالات من أمثالها، والكثير غيرهم من تجاهلته حتى الإحصائيات، وبات منسيًاً في خضم التجاهل المزمن في البلاد.