الرئيسية / ثقافة / مقالات ثقافية / نحو اغنية حب عربية “ذكية”

نحو اغنية حب عربية “ذكية”

نحو اغنية حب عربية “ذكية”

الكاتبة والشاعرة  هالة نهرا/ لبنان
الكاتبة والشاعرة هالة نهرا/ لبنان

عجيبٌ أمر بعض أغاني الحب العربية، تلك التي تتضمّن ميلاً جارفاً إلى الوقوف على الأطلال، والانطراب بالخيبة والانكسار، واستعذاب التحسّر والغياب والانتظار الممل سُدىً أو الاستمتاع بالاستحالة.

اللافت في الموضوع أنّ هذه الأغاني – التي صارت جزءاً من التراث القديم والمعاصر، نظراً لعدم تحوّلها إلى حالة “متحفية” – لا تخلو من الإبداع والجمال والدهشة في الجملة الموسيقية والأداء، بل إنّها، في عددٍ لا يُستهان بأهمّيته، خلاّبة في ميلوديّتها وبنيانها الفنّي المقامي وتوزيعها، وعلى مستوى الغناء الذي يرتكز على أصوات عظيمة فتنت عشرات ومئات الملايين، ولمّا تزل.

قد تكون أجمل الكلمات تلك التي لم تُقَل بعد، وقد تكون أجمل الأحداث تلك التي لم تقع بعد، وقد يسحرنا ذلك البعيد البعيد لأنّه ليس في متناول اليد، وقد يقودنا الخيال نحو عوالم نتمنّاها.
أمّا أن نشعر بالزهو والتلذّذ بالعذاب إلى هذا الحد، فأمرٌ يحتاج إلى دراسة نفسية، ويشفّ عن خللٍ بيّن وعقَد لا بدّ من حلحلتها اليوم.

لن أدخل في متاهة التسميات لأنّنا إذا أشرنا إلى اسم شاعر معروف أو آخر في إحدى قصائده التي تعكس حالة مماثلة على سبيل المثال، أو إلى أغنية لمطربة أو مغنّية شهيرة أو أخرى في إحدى أغانيها، قد تقوم القيامة ولا تقعد، بما أنّ التعصّب يعمي، والانحياز كيفما كان بلا تفكير وبلا تحليل هو سيد الموقف راهناً، مع ندرة في الإنتاج العصري المتّسم بالجودة والمغايرة معاً، وشبه غياب أو تغييب هامش التفاعل النقدي- الفنّي والثقافي البنّاء.

من زاوية “الذكاء العاطفي” وافتقارنا إليه في العديد من هذه الأغاني نموذجاً، طرحتُ الموضوع على طبيب نفسي فأكّد صحّة ما أطرحه، شارحاً: “الذكاء العاطفي، قبل كل شيء، هو المقدرة على تمييز وفرز العواطف الذاتية وحسن استعمالها. يمكّننا الذكاء العاطفي من معرفة شعورنا وشعور الآخرين، ومن إدارة عاطفتنا بصورةٍ سليمة في علاقتنا بالآخرين…”، ما يعني أنّ الكثير من أغاني الحب العربية يخلو من الذكاء العاطفي، ما يقود -عبر الذاكرة الفنّية الجمعية ومدى تأثيرها- نحو تكريس هذا النقص في الذكاء العاطفي.

انطلاقاً من هنا، مع إحترامي للتراث الهائل بإلتماعاته وفرادته وثغراته ومطبّاته، أدعو اليوم إلى تثوير الكلمة مرحلياً في أغاني الحب بما يتلاءم مع الواقع والتقدّم المعرفي (إلاّ إذا أردنا العيش في كهوف الماضي) ومع الممكن بل مع الأفضل، وبما يعكس كماً من الذكاء العاطفي، لا سيما أنّ الذكاء ليس واحداً استناداً إلى نظرية الذكاءات المتعدّدة. لقد بدأت مهمّة الشعراء الجدد. هيّا..! الساحة المحلّية والعربية لا تخلو من الشعراء الموهوبين ولا من الأصوات الجميلة بين الصبايا والشباب (والرجال والنساء)، ولا تخلو من الملحّنين البارعين والموزّعين المتمرّسين، والناس متعطّشون للفنّ الجديد الذي يتحلّى بالقيمة، متعطّشون لأغنيةٍ حديثة مختلفة بحنجرةٍ مؤثّرة… لكن مع ذلك لا يحدث ما التمسناه. لماذا؟ لأنّ الإعلام في معظمه، لا سيما المرئي منه والمسموع، يروّج الأغنية الركيكة الاستهلاكية الهابطة ويحجب التميّز. هكذا نرى الطاقات الواعدة أمامنا تذبل في الظلال. لذلك أقول لكم الآن: اقتحموا المسارح والنوادي أوّلاً، اقتحموها بثقة واحترام للخشبة والناس، وقدّموا تجاربكم، سَجِّلوها، صوِّروها بالإمكانات المتاحة، استخدموا الـ”نيو ميديا” بذكاء (وسائل التواصل الاجتماعي وسواها) بما يخدم ميولكم ومشاريعكم النبيلة، وافرضوها حالةً ضدّ الرداءة الحالية، ضد الابتذال، واستكمالاً يضيف، ويصوّب، ويغني، ويُحدث انعطافاً ساطعاً ملحّاً في الأغنية العربية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نُشر في  :

 LOGO-304x80-266x70 بتاريخ   2017-04-27

 

عن الخبر ال واي

شاهد أيضاً

“سوسْطارَة”… الحَفْرُ فِي عَوَالم الظِلّ

“سوسْطارَة”… الحَفْرُ فِي عَوَالم الظِلّ مقالة الروائي الكبير واسيني الأعرج عن ” سوسطارة”، لروائية حنان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *