الرئيسية / ثقافة / مقالات ثقافية / نيكوس كازانتزاكيس ( النسر الكريتي) (2/2)

نيكوس كازانتزاكيس ( النسر الكريتي) (2/2)

نيكوس كازانتزاكيس ( النسر الكريتي)

                       (2/2)

الكاتب عبدالسلام عمر سوف 1955 ــــ 2013
الكاتب عبدالسلام عمر سوف
        1955 ــــ 2013

 

عبدالسلام عمر سوف *

 

نيكوس و التعليم الأوّلي:ـ

وقال أبى((سوف نتعلم القراءة والكتابة هنا وبهذا ستصبح رجلاً ) وظهر المعلم في الباب ، كان يمسك بقضيب طويل وقد بدا لي متوحشا بأنياب طويلة واسترقت النظر إلى قمة رأسه لأرى ما إذا كان له قرون لكنني لم استطع إن أرى،  لأنه كان يضع على رأسه قبعة قال والدي (هذا أبنى) وحوّلني إلى المعلم وهو يفلت كفيّ عن كفّه ((عظامه لنا ،و اللحم لك، لا تشفق عليه أجلده وأصنع منه رجلاً))فأجاب المعلم وهو يشير إلى عصاه :لا تقلق يا كابتن (ميخائيل) هذه هي الأداة التي تصنع         الرجال.!!

الجيران لا أستطيع تذكر جيراني دون أن أنفجر بالضحك الممزوج بالدموع ! في ذلك الحين لم يكن الناس بالدزينات على نمط واحد كان كل منهم عالما مستقلا كان يضحك بشكل مختلف عن جيرانه وكان يغلق على نفسه باب بيته ليحتفظ برغباته السّرية مخبوءة بدافع الخجل أو الخوف وكانت هذه الرغبات تتولد في داخله حتى تخنقه .!  وكانت حياته تأخذ طابع الجدية المأسوية و إضافة إلى ذلك كان هناك الفقر وكان ذلك لم يكن كافياً، فقد كانت هناك الكبرياء التي تطالب بأن لا يكتشف أحد هذا الفقر كان الناس يعيشون على الخبز والزيتون وجذوع الخردل لتجنب الخروج بملابسهم المرقَّعة ،وقد سمعت احد الجيران يقول ذات مرة : الفقير هو ذلك الذي يخاف الفقر و أنا لا أخاف منه.!

معاملة الزوجة للزوج ، معاملة الزوج للزوجة :ـ أعتاد جدّي لأمي أن يقول : الفقر والعرٍّي لاشيء حين تكون لك زوجة طيبة، في تلك الأيام كانت العادة العريقة تقضى أن تحضر الزوجة ماءاً ساخناً للزوج حين يعود من الحقول وأن تقوم هي بغسل رجليه.!

وذات مساء عاد جدي من العمل منهكاً جلس في باحة الدار، وجاءت زوجته بسطل الماء الساخن وركعت أمامه ومدّت يديها لتغسل قدميه المغبّرتين نظر إليها بمحبة و رأى كفيها المتأكلتين بالعمل المنزلي وشعرها الذى بدأ يشيب لقد أصبحت الآن عجوزي مسكينة، هكذا فكّر بينه وبين نفسه فرفع قدميه ورفس سطل الماء وقلبه وقال: إبتداءاً من اليوم يا زوجتي لن تغسلي قدمي، أنتِ لست عبدتي، على أية حال أنتِ زوجتي وأنتِ سيدة..

 قلب مرهف وحس شاعر

ذات يوم بزغ ضوء في الظلام كنت قد انعزلت في مخبأ في (كيفيسيا) (4) في بيت صغير محاط بأشجار الصنوبر لم أكن يوماً حاقداً على البشر بل الحقيقة أننى كنت دائمآ أحب الناس (عن بعد) وكلما جاء شخص لزيارتى يستيقظ الكريتى وأمنح نفسى أجازة لكي أرحب بهذا الإنسان في بيتي ولفترة لا بأس بها ، كنت أستمتع و أنا  أصغى إليه وأدخل أفكاره وإن استطعت مساعدته بأية طريقة فأنني أفعل ذلك بفرح ،ولكن ما إن تطول المحادثة أو الصلة حتى انسحب إلى نفسي و أتمنى أن أترك وحيداً ، ويحس الناس أنني لا حاجة لي بهم و أنني استطيع  العيش دون التحدّث إليهم وهذا ما رأوا أنه من المستحيل التسامح معي  به ، هناك قلّة من الناس استطيع العيش معهم  مهما طال الوقت دون أن أحس بالانزعاج.

 نظرته للحرية. و الفكر الحر المبدع:ـ

كان في حياتي يومان ساميان أولهما يوم وطئ الأمير جورج أرض كريت والثاني  في موسكو بعد ذلك بسنوات عديدة ،الاحتفال بالذكرى العاشرة  للثورة الروسية ، في هذين اليومين أحسست إن أجزاء البشر الأجساد والعقول و الأرواح قابلة للدمار، وإن الإنسانية يمكن أن تعود من جديد بعد تجوال دموي رهيب إلى وحدتها البدائية المقدسة .في حالة كهذه لا يكون هناك أشياء مثل ((الأنا))و((أنت))و((هو)) كل شئ متّحد وهذا الإتحاد

نشوة صوفية عميقة، يفقد الموت فيها منجله ولا يعود موجوداً ، نحن نموت فرادى واحد بعد الأخر لكننا مجتمعين خالدون كالأبناء المسرفين بعد الكثير من الجوع والظمأ والعصيان تتحد أذرعتنا ونعانق الأرض والسماء.

ما بداخل الأسطر :ـ 

كان لبعض الفاكهة  بشكل خاص نوع من السحر الغامض بالنسبة لي كالكرز والتين بشكل خاص ليس التين نفسه كفاكهة بهذه البساطة بل الأوراق ونكهتها  ولقد تعوّدت أن أغمض عيني و أتنشّقها حتى يشحب لونى من الحبور و الإثارة والخوف والرعشة و كأننى كنت أدخل  غابة خطرة معتمة.!!

متاعب النضج

قضيت سنوات نضجى تكتنفنى المتاعب المألوفة للشباب أستيقظ في داخلي وحشان هائلان ذلك النمر الذي اسمه اللحم ،وذلك النسر النهم الذي يلتهم أحشاء الإنسان وكلما أكل أزداد جوعه ، العقل…

الفلاح . القوة . الأرض :ـ

كلما تذكرت هذا الفلاح العجوز ذا الوجنتين الموردتين يتزايد إيماني بالإنسان وبعمله في التراب كان واحداً من الأعمدة التي يقف العالم على أكتافها فتحفضه من السقوط .

طفل البحر المتوسط :ـ

من علمك هذه الكلمة البذيئة لاتقلها بعد الآن ثم ذهبت إلى المطبخ وجلبت بعض الفلفل المطحون وفركت فمي بها كنت اقسم سرّاً أننى سوف أتابع التلفّظ بهذه الكلمات ولو بينى وبين نفسى ذلك أننى احسست بمتعه كبيره من لفظها. ومنذ ذلك الحين صارت كل كلمة ممنوعة تحرق شفتي وتفوح منها رائحة الفلفل وحتى الآن بعد سنوات كثيرة .

الرفقة :ـ

في تلك الظهيرة كنا سنصل أخيراً إلى دير سيناء صعدنا الهضبة الميديانية على علو أكثر من 5000قدم وكنا قد قضينا الليلة السابقة في مقبرة إسلاميه حيث نصبنا خيمتنا أمام ضريح الشيخ ، أستيقظنا كان البرد لاذعآ وقد غطّى الثلج خيمتنا وكان السهل الممتد أمامنا كله أبيض ناصعاً، هدمنا كوخ و اشعلنا منه ناراً وتصاعدت ألسنة اللهب وتحلقنا حول النار ألتماساً للدفء وكذلك أقتربت الجمال ومدت أعناقها فوقنا ،شربنا منقوع التمر ،وأعددنا بعض الشاي، ثم مدّ البدو بساطا على الثلج وركعوا وراحو يصلُون ووجوههم النحيلة لوحتّها الشمس متوجّه صوب مكة، ألتمعت وجوههم وهم غارقون فى النشوة ورحت باحترام كبير أرقب هذه الأجساد الثلاثة الصبورة الجائعة الممتلئة بشكل مقبول، لقد مارس (منصور وطعمه وعوا) (5) نوعا من الصعود،  فتحت الجنة أبوابها لهم ودخلوها تلك جنتهم الخاصة الجنّة الإسلامية جنّة بدوية من الشمس والجمال البيضاء وقطعان ترعى فى سهوب خضراء وخيام متعددة الألوان  وأمامها تترّبع النساء ورؤوسهن مردودة إلى الوراء مع الضحك وأساور ذهبية على معاصمهن وكواحلهن وعيونهن مكحلّة وشعر رؤوسهن محنىّ وبقعتان تجميليتان على خد كل منهن والطعام يتصاعد منه البخار والمناسف( 6) مع اللبن وتمر وخبز أبيض وجرّة من الماء البارد وكان هناك ثلاثة خيام أكبر من بقية الخيام،ثلاثة وثلاثين جملاً سرع من بقية الجمال وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون إمرأةً أكثر سحراً من بقيّة النساء ، الخيام والجمال والنساء لطعمه ومنصور وعوا .

أنتهت الصلاة وأغلقت الجنّة أبوابها ونزل البدو إلى الهضبة الميديانية وأقتربوا من النار صامتين وعادوا إلى أعمالهم الأرضية المتواضعة مرحين المهم كم ستطول هذه الحياة؟ الجنّة ستكون الختام ولذا فالصبر جميل

مددت يدى إلي طعمه الذي كان يجلس إلى يميني وأستظهرت له بالعربية ،الصرخة الإسلامية المقدسة (لا اله إلّا الله محمد رسول الله) ، اهتزّ مندهشآ كما لو أننى كشفت سرّه شعَّ وجهه بالفرح ونظراً إليِّ ثم ضغط على يدي .

نيكوس وأبناء الصحراء

إن لدى إعجابآ قلبّيآ بأبناء الصحراء هؤلاء كيف يعيشون ؟على تمرات قليلة وكمشة من القمح وقدح من القهوة أجسادهم رشيقة وسيقانهم دقيقة كسيقان الماعز، وعيونهم كعيون الصقور إنهم أفقر أهل الدنيا لكنهم أكثر أهل الدنيا كرماً مهما جاعوا لا يأكلون حتى الشبع أو التخمة يحتفظون ببعض السكر وبعض القهوة وكمشة من التمر يقدموه للغريب.

معاملة البدوى للحيوان

الحب الأول للبدوي هو جمله ، ولقد أعتدت أن أرى أذان (طعمه ومنصور وعوا)

تهتز قلقاً كلما سمعوا أحد الجمال يطلق أضعف تنهيدة ، يقومون ويوازنون السرج ثم يفحصون البطن والخف ويجمعون ما يمكن جمعه من عشب جاف ويطعمونه ، في المساء يفكوّن الحمولة ثم يغطُون الجمال ببطانيات من الصوف ثم يمدّون على الأرض قطعة من القماش وبعناية فائقة  ينتقون الأقذار من طعامها.

لمحة عنه

بناء على طلبه كُتب على شاهد ضريحه عبارة من قصص التراث الهندي ( لا آأمل فى شئ.لا أخشى شيئآ.أنا حر)

تزوّج فى عمر متأخر من كاتبة وصحفيّة يونانية تدعى ( إيلينى) . و لآنه كان يفضّل العزلة ، لم تكن زوجته تلتقى به الاعشرة ايام فى السنة ،وذلك في عقد عائلي سميّ عقد (الأيام العشرة).

تأثر بالفيلسوف والشاعر الألماني ( نيتشه).

كان بوذا فى نظر نيكوس مرشداً  للسكينة والسلام .

أظهر مدى عمق معرفته بعلم الآثار و الانثربولوجيا فى كتابه الاوديسه33.333بيتآ حيث انتهت اود يسة هوميروس بعض أعماله منع نشرها ،وبعض أعماله أخرجت أفلام سينمائيه.

آخر المناصب التى تولاها مديراً باليونسكو لترجمة الكلاسيكيات ولتعزيز جسور التواصل بين الحضارات تحصل على الدكتوراة فى الحقوق عام  1909 أمضى معظم فترة شبابه في رحلات تأمليه زار القدس وسيناء مصر ودول عديدة أوربية وأسيوية .

ولد بجزيرة كريت 1883اليونان وفاته  1957فى ألمانيا ونقل جثمانه إلى أثينا ولكن الكنيسة  الارثوذكسيه منعت تشييعه ونقل إلى كريت.

تحصّل على جائزة (ليينن) للسلام في مدينة فيينا. ترشح لجائزة نوبل وخسرها بصوت واحد في التصويت وتحصّل عليها البير كامو.

من مؤلفاته  (زوربا اليونانى . الثعبان والزنبقة. الأخوة الأعداء. الحرية أو الموت  وغيرها ).

من أقواله :  ” المشكلة أن يجد الإنسان مثلاً أعلى يجعله الهدف لوجوده .وإذ ذاك يصبح عمله نبيلاً و الحياة تكتسب معنى ،والموت يتحوّل إلى خلود هذا المثل الأعلى يمكن إعطاؤه أي اسم مقدّس الله  الوطن  ،أو الحرية  أو العدالة  أو الشعر ، و المهم شيء  هو أن تؤمن به وتعمل من أجله.

 

هوامش :

*كاتب من ليبيا. مواليد مدينة طبرق 1955 عاش حياته عاشقاً للأدب، صدر له مجموعة قصصية (طائر الغاق) وله عدد من المخطوطات، لم تر النور بعد، عشق الغوص، وكان ماهراً في فنون البحر، صدر له كتاب بعنوان الغوص، و رحلت عن الدنيا في 2014   

(4) مكان إعتكف فيه الكاتب للتأمل والكتابة .

(5) رفقته من جمهورية مصر العربية بصحراء سيناء

( 6) المنسف هى كلمة بيلاف طعام شرقى من الارز واللحم والتوابل

المراجع :

  • كازنتازاكيس .نيكوس . الطريق الى غريكو. ترجمة ممدوح عدوان , دار ابن رشد للطباعه/ بيروت
  • كازنتازاكيس .نيكوس.زوربا. بيروت . لبنان

 

عن الخبر ال واي

شاهد أيضاً

“سوسْطارَة”… الحَفْرُ فِي عَوَالم الظِلّ

“سوسْطارَة”… الحَفْرُ فِي عَوَالم الظِلّ مقالة الروائي الكبير واسيني الأعرج عن ” سوسطارة”، لروائية حنان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *