هناء نور تكتب :
هل يصبح الأكل موضة؟!
مؤخرا انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مجموعات خاصة للنباتيين.. وأعضاء هذه المجموعات في الأغلب من النباتيين، والخضراويين، والفرق بين النباتي والخضراوي.. أن النباتي يتناول البيض ومشتقات الألبان الحيوانية.. أما الخضراوي فهو يتجنب كل ما هو من روح.. بما في ذلك عسل النحل.. وتقوم مجموعات النباتيين والخضراويين بطرح اقتراحات لأكلات نباتية أو نباتية صرفة.. وإضافة أماكن بيع المنتجات النباتية القليلة جدا وشديدة الندرة في مصر؛ لقلة عدد النباتيين.. ولاحظت في أكثر المجموعات النباتية المصرية التحدث باللغة الإنجليزية.. وأظن أن اختيار اللغة يعود إلى اعتقادين: أولهما أن التوجه النباتي في الغذاء شائع غربيا.. وثانيهما أن المسألة طبقية، ولا يتوجه للنظام النباتي سوى الطبقة الراقية وأغنياؤها.. وبالتالي فجميعهم يتقنون اللغة الإنجليزية..
وأرى أن الاعتقادين على قدر كبير من الخطأ.. فالتوجه النباتي ليس موضة كما يظن البعض.. ومن يتبعه باعتباره موضة انتشرت مؤخرا.. لن يكمل طريقه نباتيا.. لأن المسألة ليست مبنية عنده على قناعة، أو رؤية..
ويظن البعض أن النباتية فكرة لم تكن موجودة في العصور الماضية.. وهذا غير صحيح.. لأن مؤسس هذا التوجه الغذائي “فيثاغورس” عالم الرياضيات الشهير.. وهذه المسألة تعود للقرن السادس قبل الميلاد.. ويقول فيثاغورس “ما أبشع أن يسمن الجسد على لحم جسد آخر، وأن يحيا كائن على قتل كائن آخر”
ومن أشهر النباتيين في التاريخ “أبو العلاء المعري” الذي اتجه للنظام النباتي في الأربعين من عمره وظل عليه حتى مماته.. وكان متطرفا نباتيا إلى حد الكتابة في رثاء دجاجة.. ومن أبرز أقوال المعري في الشأن النباتي “لا تأكل إلا ما أخرج الأرض منبتا” ولأن الدين الإسلامي يبيح أكل اللحوم بمختلف أنواعها عدا لحم الخنزير.. اتهم “أبو العلاء المعري” بتهم وصلت إلى حد وصمه بالإلحاد حين قال: إن النحل يصنع العسل لنفسه.. ويجب على الإنسان أن يأكل ما تنبته الأرض فقط.
وجدير بالذكر: إن ما يشاع عن القصور الذهني للنباتيين خرافة لا أكثر.. أن “آينشتاين” العالم الفيزيائي الشهير.. ويعتبر من أذكى العقول في التاريخ.. كان نباتيا.. ويقول آينشتاين: “أنا أعيش بلا دهون، وبلا لحوم، وبلا سمك، ويبدو لي أن الإنسان لم يولد ليصبح مفترسا”.
وثمة فئة تعتقد أن النباتي يلجأ لهذا الاتجاه بدافع الفقر، وهذا الاعتقاد أيضا لا صحة له.. فعلى سبيل المثال لا الحصر “ستيف جوبز” رجل الأعمال الأمريكي البارز.. ورئيس مجلس إدارة شركة Apple العالمية.. اتبع النظام النباتي بعد زيارته للهند، وقراءة كتاب “لابي” ويرى “ستيف جوبز” أن العلاج بالغذاء لا بالدواء.. ولذا فهو يتبع هو وزوجته النباتية الصرفة عن قناعة.. ويقول إن “تورتة” زفافهما كانت بلا بيض أو حليب..
ويرى آخرون أن أكل اللحوم يغذي مسألة الإبداع، وفي هذه المسألة يقول المؤلف الأيرلندي الشهير جورج برنارد شو: “لا لزوم لأكل الأسماك واللحوم للنجاح في الحياة والإبداع”
والنباتية في الديانة “الهندوسية” فرض لا يجوز للهندوسيين الخروج عنه.. ويشكل النباتيون في الهند 40% من نسبة النباتيين في العالم.. أما “غاندي” فلم يتبع النظام النباتي كواقع تفرضه عليه ديانته الهندوسية فقط.. فقال “أصبحت نباتيا عن قناعة، وازداد كل يوم إيماني بفوائد الغذاء النباتي”.
أما “تولستوي” المؤلف الروسي، والمفكر، والمصلح الاجتماعي.. فهو أحد أشهر الزاهدين في التاريخ، ولم يكتف بتحريم اللحوم، والمشروبات الكحولية، والتدخين على نفسه فقط، بل راح يدعو لفكرة الزهد بوجه عام، وبوجه خاص اعتبر تناول اللحوم مسألة لا أخلاقية؛ لأنها تبيح قتل كائنات حية من أجل إشباع شهوة التذوق..
ومن الذين اتبعوا النباتية بدوافع الرفق بالحيوان.. الممثلة الأمريكية “ناتالي بورتمان”التي ترى أن الحيوانات أصدقاءها.. ولا أحد يأكل أصدقاءه!
والممثلة الفرنسية العالمية “بريجيت باردو” التي اعتزلت أكل اللحوم بأنواعها كافة بعد رؤيتها لسمكة تتعذب تلو خروجها من الماء.. غير أنها ترى الحيوانات أكثر وفاء من الناس عموما، والرجال خصوصا!
وتقول الكاتبة التركية العالمية “أليف شفق” إن الإنسان يمتص كل خوف الحيوان لحظة ذبحه؛ لذا فهي تتجنب تماما أكل اللحوم.. وكل ما يأتي من الحيوان..
ومن الطرائف والغرائب أن “هتلر” الذي تسبب في قتل ملايين البشر كان نباتيا.. ومحرضا على اتباع النظام النباتي.. وقال إن الإنسان ليس لاحما بطبيعته.. والطفل يميل للتفاح أكثر من اللحم!
ومن أشهر النباتيين المصريين “أنيس منصور” والذي اتبع النظام النباتي بعد الأربعين وظل نباتيا لنهاية حياته، بدافع الافتقاد التدريجي لشهيته نحو اللحوم الحمراء، والبيضاء.
ولعل الملاكم الأمريكي الشهير “مايك تايسون” أحد أهم الأدلة على أن النظام النباتي لا صلة له بالنحافة أو ضعف العضلات.. كما يشاع..
وأخيرا:ومع بداية انتشار النباتيين في الوطن العربي أرى أن ما يدخل جوف الإنسان مسألة شخصية بحتة.. ولا يحق لإنسان التدخل في ذوق واختيار إنسان آخر لنظامه الغذائي.. طالما لم يفرض هذا النظام على أحد.