الرئيسية / مجتمع / الوعي والإرهاب*

الوعي والإرهاب*

الوعي والإرهاب*

هيفاء صفوق
الكاتبة هيفاء صفوق

يضج الإعلام وحديث الأفراد بعد كل عملية تفجير، الكل يستنكر أفعالها المشينة، لا أحد يقبل بتصدير العنف والقتل والتخريب إلى أرض وطنه، فما بال هؤلاء تغيّب العقل والتفكير لديهم!

مَن خلف هذه الأفكار المتطرفة التي تحاول أن تتصيد أمن الوطن؟ وكيف وصلت حال هؤلاء للقتل والتطرف؟ ما أبشع تلك الصورة وهم يفجرون أنفسهم بعبوة ناسفة تتطاير معها أجسادهم، من يدفع فاتورة هذا القتل والترهيب وترويع الآمنين؟ مَن غرر بهم وأقنعهم بما يفعلون في تخريب أرض الوطن وسفك دماء الأبرياء؟ وكيف طمست معالم الإسلام والحب والسلام في قلوبهم واعتنقت فكراً متطرفاً بعيداً عن الفطرة الإنسانية؟ لكن من ينسى، حتى بيوت الله لم تسلم منهم.

لا بد أن نعي أن الفكر المتطرف يحارب بالفكر الواعي لكي نستطيع قلع جذور هذا الفكر الذي يحاولون غرسه خفية بين الناس وتلبيسه عباءة الدين والدين منه براء، الدين لا يروع الآمنين ولا يتعدى على المسالمين.

من هنا يأتي دور الوعي وبث الفكر المستنير المدرك لقيمة الفرد وإنسانيته، والعمل على توسيع امتداده في كل الارجاء، ابتداء من دور الأسرة في تعزيز قيمة الأبناء وتوفير الاحترام لهم والاستقرار النفسي والاجتماعي، أي صنع بيئة مستقرة آمنة خالية من المشكلات والخلافات، وفتح نافذة الحوار والمناقشة معهم باحترام ومحبة لا فوقية أمر ونهي، نستطيع أن نزرع فيهم الثقة وقوة التواصل معهم فتكون الأسرة السند والمعين والأمن والاستقرار، وهذا أهم عامل للأبناء توفير الاستقرار النفسي والمعنوي الذي يكون حصناً لأي اختراق من الغير، سواء أكان من الفكر المتطرف أم المنحرف.

ثم يأتي دور التعليم في كيفية غرس قيمة الفرد واحترامه، وتنويع مصادر المعرفة في التعرف على العلوم التي تحرك العقل والتفكير، والتعرف على ثقافة الآخرين وحضاراتهم لزراعة تقبل كل مختلف عنا، وذلك عن طريق المواد الدراسية الممتعة والعميقة، هذا سيجعل قدرة التفكير تكون كبيرة وايجابية صعب اختراقها. عندما نبني جيلاً واعياً قادراً على التفكير السليم واستخدام العقل بمهارة وعمق سيكون حينها قادراً على تمييز الصحيح من الخطأ، سيقارن ويميز ويحلل ويعتمد على ذاته بقوة وصلابة، من هنا لا أحد يستطيع أن يتلاعب بعقول هذا الجيل، ولا يخفى على أحد أننا لم نستغل هذه العقول في تحريك الفكر والتفكير، بل اعتمدنا على أسلوب التلقين وحفظ المادة للنجاح والعبور.

لا بد من التركيز على بناء الذات داخلياً، واستخراج القدرات والمواهب الكامنة التي تحرك العقل وتملأه وعياً وعمقاً ونضجاً، والاستفادة من أوقات الفراغ بالمفيد من مواهب وقدرات في عمل أنشطة على مستوى المملكة، إذ تعد كل مدرسة طلابها لذلك، هنا استفدنا من تلك القدرات سواء أكان في الرسم أم فن الكتابة أم فن الخطابة أم في المسرح أم في نواد ثقافية أدبية، أي فتحنا نافذة للقراءة بشكل منظم ومحبب.

إذاً هي مسؤولية الجميع، ابتداء من دور الأسرة إلى دور التعليم ودور المؤسسات الأخرى في استثمار طاقة الشباب في تبني برامج خاصة لفئة الشباب، برامج ثقافية وحوارات فكرية وبرامج تطوعية يكون دورهم واضحاً مثلاً في مساعدة المسنين أو مساعدة مؤسسات خيرية، والقصد من كل ذلك جعل هؤلاء الشباب مفعمين بالنشاط والحركة لأنه من خلالها تعزز الثقة بأنفسهم ومعرفة قيمة العمل والانجاز والوقت، إذ إن العقل إن لم يستثمر بشكل جيد جاء من يستثمره بطريقة خاطئة. تركيزنا هو على كيفية استثمار طاقة الشباب بشكل منظم ومستمر لزرع قيمة الفرد من خلال الوعي والنضج المعرفي والإدراكي والإنساني، من هنا نستطيع أن نحارب أي فكر متطرف وإرهابي بفكر مدرك وواع.

ــــــــــــــــــــ

نُشر بـ(الحياة) / الأربعاء، 25 يناير/ كانون الثاني 2017

عن الخبر ال واي

شاهد أيضاً

أدونيس: تبقى بيروت صانعة الثقافة في العالم العربي

أدونيس: تبقى بيروت صانعة الثقافة في العالم العربي هالة نهرا قُبيل أحداث غزّة التي شغلت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *