الرئيسية / ثقافة / مقالات ثقافية / واقعية القـص وموت البطل .. رؤية نقدية في عوالم (السوق اليومي)

واقعية القـص وموت البطل .. رؤية نقدية في عوالم (السوق اليومي)

واقعية القـص وموت البطل

رؤية نقدية في عوالم  (السوق اليومي)

رزق فرج رزق/ ليبيا
رزق فرج رزق/ ليبيا

لـلقاص المغربي هــشام حراك(*) 

رزق فرج رزق . طبرق

     يعد العمل الإبداعي هو اللحظة الحاسمة في مسار البطل عند هشام حراك، ومجموعته القصصية (السوق اليومي)، الصادرة عن البوكيلي للطباعة و النشر والتوزيع، بالمغرب، في طبعتها الثانية عام 2006. بالرغم من أن أبطالها نابعين من واقعنا المعاش، في السوق اليومي، يظل مصيرهم موضع سؤال في أغلب نصوص المجموعة.

القاص هشام حراك / المغرب
القاص هشام حراك / المغرب

     منذ العتبة الأولى ــ العنوان ــ نجد الحرص على إبراز عالم المجموعة في إشارة إلى شخوصه وهم تلة من المهمشين و المنبوذين؛ الساكنين مدن وقرى من طوب وقصدير. كما أعلنها صراحة في مقدمته المقتضبة والتي اختزلها في رفضه الكتابة بريش الطاووس، ولا بمداد أبيض يدعى حليب الغزالة، طالما احتوت جمجمته وذاكرته بهؤلاء الكادحين. فالسوق اليومي كنص من بين نصوص المجموعة يعطي موقفاً إنسانياً بتصوير فني محترف، اما السوق اليومي كعنوان للمجموعة في مجملها فيضيف بعداَ اجتماعياً وإنسانياً يخدم المشهد الثقافي من حيث تجسيده للقضايا الاجتماعية.

ــ  لكن ماذا عن مصير البطل فـي السوق اليومي؟

    غالبا ما نجد البطل في أغلب نصوص السوق اليومي في النهاية ميتا منتحرا أو مقتولا، هكذا أراد حراك لإبطاله، ويبقى البحث عن جذور الفكرة في قصص مبدعنا نجدها أتية من رحم المعاناة حد التأصيل، وعدم الرضوخ إلى بصيص أمل يمكن أن ينجو من خلاله البطل والجنوح إلى فسحة وطيب عيش ، بالرغم من اقترابه منها في عديد المواضع.

    اقتراب نصوص السوق اليومي من الواقع المعاش يمنحها قبولاً كبيراً لدى المتلقي، وملامسة قضايا اجتماعية يعانيها المواطن العربي عامة و المواطن المغربي على حد الخصوص؛ يجعلها تتمحور بنضجها أمام الدارس إذا ما أراد التنقيب عن التحولات الاجتماعية و الاقتصادية في القصة العربية المغربية.  

    القصة عند هشام حراك تحليلية في بنائِها الفني، تهتم بالتبرير و التفسير، و كون شخوصها من المهمشين و المنبوذين أمدتها أمكانية التحليل في التناول. فيمضي هشام حراك قدماً نحو تعميق اللحظة التي يصورها لنا.

%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%88%d9%85%d9%8a

    ويتجه حراك في تصوير شخصيات نصوصه، ونجدهم دائماً من المهمشين في الحياة والمنبوذين، وأن لم يكن وجودهم رئيسي يتداخل افتراضهم في لوحة فنية تتداخل للتعبير عن واقعية القص، كما في (الشمكار) الذي  يتبعه الأطفال الشخصية الهامشية التي تضفر في النهاية بكومة الباكور تركة خالتي حليمة، في النص الذي يحمل عنوان المجموعة:

(… يتبعه ثلاثة أطفال صغار  وهم يصيحون عليه :

ــ و الشمكار  … و الشمكار …

… هو لا يهتم لصراخهم، وإنما يقترب من خالتي حليمة، … ) (1).

   و في موضع قريب من دائرة “خالتي حليمة” (… بل بجانب (الإسكافي)، الذي هو بجانب خالتي حليمة فتاة تعانق شاباً، و تستعطفه أن يستضيفها، كي تكرمه، مقابل عشاء يضمن لها أن تحيي اليوم الموالي…يرفض الشاب، فتهزأ منه الفتاة… يلطمها على خدِها، بعنف، فتصرخ… يهرب، فتولول… ويجتمع البشر، بسرعة البرق، حولها … يفتش بعضهم عنه، فلا يعثرون له على أثر…) (2)

     لوحة فنية يصورها لنا حراك تجسد زاوية أخرى لنموذج من شخوصه المهمشـين و المنبوذين، الذي أضنتهم ظروف الحياة حتى يتجلى الأمل في إحياء يوم أخر من العمر الكئيب يتطلب ثمن يصل حد تنازل الفتاة عن أغلى ما تملك لتقدمه إكراماً مقابل وجبة عشاء .

في هذه اللوحة العارضة عن العمل الأصلي في نص السوق اليومي عنوان المجموعة مبدأ جمالي يلح في تقديمه “حراك” ليس ليُقوم عليه الفكرة بل هو (افلاش باك) يُعد مبدأ لخلق شخصيات إنسانية تمنح القالب الفني روحاً تعكس من خلاله المهمشين و المنبوذين في الحياة، يحسب للمبدع و لا يعد هذا الخلق للشخصيات الإنسانية ابتذالاً غير ضرورياً، بقدر ما يعطي القص من اهتمامٍ بالسياق العام للخيط الثابت الذي نهجه القاص في مجمل نصوص السوق اليومي، وإذا ما اعتمدنا  الرؤية الفنية ودلالة عالم القصة القصيرة عليها من وجهة نظر نقدية. ففي هذا المضمار يقول طه وادي (3) : (يطرح الأديب قضيته الفكرية من خلال عالمه الفني، وحين يتصدى الناقد للعمل الأدبي فإنه لا يواجه (موقفاً) صريحاً، وإنما يلتقي بعالم رمزي خاص، يطرح من خلاله الأديب موقفه المتشكل وأدواته المشكلة.. أي أن الناقد يبدأ من حيث انتهى الأديب، ليصل في النهاية إلى ما بدأ به)، و يوضح وادي لقوله بالرسم التالي:

%d9%85%d9%88%d9%82%d9%81-%d8%a7%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d8%b9%d9%84%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a7%d8%b9%d9%8a

 بعض قصص (السوق اليومي) مبنية على الحوار ، و مكونها الفني يحتوي على أبعاد عديدة، منها البعد الاجتماعي و البعد الثقافي، و من اليسير على مبدعنا هشام حراك أن يسوق لنا موقفه الانساني من خلال البعد الاجتماعي، وكذا الثقافي، فالأزمة دائما في حياة المهمشين و المنبوذين تقف عند البعد الثقافي، وتنعكس على الواقع الاجتماعي المعاش. 

فالمفاهيم الاجتماعية تضع البطل في دائرة الإدانة على أفعال خارجة عن إرادته، وتحمل في الغالب تفسيرات “ميتافيزيقية” لأسباب عادية،(4)  وهذه المعاناة نلتمسها في نص (جاكلين وفطومة) وكيف تشبثت فطومة بأحداث سلسلة الفاتنة جاكلين التي تبثها قناة أجنبية، وأن تضع عباس في مصاف جون عشيق جاكلين، لكنها ما لبثت حتى خضعت للمفاهيم الاجتماعية وطلبت من عباس أن يتقدم لخطبتها من أهلها،(5) بل وهددته بوضع حد لعلاقتها به، ثمة حلم لفطومة، وثمة امتناع للضفر بعباس ورفضه القطعي لها، يضعها في دائرة الإدانة على أفعال خارجة عن إرادتها؛ بل ثمة قيل وقال كثر هذه الأيام اصطنعتها المفاهيم الاجتماعية، وحملت تفسيرات ميتافيزيقية. حتى أنه لا فائدة من السؤال عما إذا طلبت جاكلين من “جون” الطلب ذاته، ماذا سيكون موقفه؟ فحلقات “الفاتنة جاكلين” قد انتهت، و يظل حلم فطومة في حكم الميت.

    وإن لم تمت البطلة في “جاكلين وفطومة” ففي السوق اليومي مات مصطفى بضربة على رأسه بعصاة خالتي حليمة في رد فعل منها بعد أن لطمها على خدها؛ لأنها منعته من أخذ الباكورتين، ويمضي بها السرد ليصل بها في يد رجال الأمن لتنال جزاءها، ومصطفى جثة هامتة يحملونها رجال الإسعاف إلى قاعة المستعجلات، ومن هناك، طبعاً إلى المقبرة..
شخصية مصطفى بالرغم من ظهورها في النص فجأة  لكن استطاع مبدعنا أن يكثف باقتدار رسم المشهد في لوحة غاية في التصوير.

بكل هذه الواقعية في القص جاءت مجموعة السوق اليومي، و أبطالها غالباً ما تقودهم الأحداث إلى الموت، هو واقع مرير يعيشه المهمشون، جسده المبدع بحرفية إبداعية عالية.  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إيحاءات:

          (*) قاص مغربي، الرئيس المؤسس لنادي القصة القصيرة بالمغرب، وعضو اتحاد كتاب المغرب.

  • هشام حراك، السوق اليومي (قصص قصيرة)، البوكيلي للطباعة والنشر والتوزيع، القنيطرة، المملكة المغربية، الطبعة الثانية 2006، ص 17
  • نفسه ، ص17.
  • طه وادي، دراسات في نقد الرواية، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1994، ص 133.
  • سالم علي العبار، ملامح البطل في القصة العربية الليبية القصيرة، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، مصراتة، الطبعة الأولى 1988، ص17.
  • هشام حراك، السوق اليومي، – جاكلين وفطومة-، ص19

 

عن الخبر ال واي

شاهد أيضاً

“سوسْطارَة”… الحَفْرُ فِي عَوَالم الظِلّ

“سوسْطارَة”… الحَفْرُ فِي عَوَالم الظِلّ مقالة الروائي الكبير واسيني الأعرج عن ” سوسطارة”، لروائية حنان …

تعليق واحد

  1. هشام حراك قامة أدبية متفردة ..شكرا الأديب الراقي رزق فرج على هذه الإضاءة المهمة. كل الود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *