الرئيسية / ثقافة / مقالات ثقافية / أدب الأعماق في “كتاب على هوا الأيّام” ل جورج مغامس

أدب الأعماق في “كتاب على هوا الأيّام” ل جورج مغامس

أدب الأعماق في “كتاب على هوا الأيّام” ل جورج مغامس

الكاتبة ناتالي الخوري غريب / لبنان
الكاتبة ناتالي الخوري غريب / لبنان

مع أدب جورج مغامس، نحن في حضرة البلاغة، بلاغة الكرامة في خطاب التنوير، وفصاحة القيمة في بيان الاستنهاض
هذا الكتاب، كتاب على هوا الأيّام الصادر عن دار الإبداع، 2017، هو صورة عن مشروع الله في الإنسان، كما يرى إليه مغامس، وعماد المشروع، كلمة أحبب… ف، إظهارًا لقدرة الحبّ التحويلية للإنسان، في تصيير الأرض سماء، والحرب سلامًا، والتعدّدية تثاقفًا ووحدة. وهو يهجس بالإنسان، والوطن والأخلاق، تأسيسًا على إيمان بطرسي مشيّد على صخرة الإيمان بالله والوطن والإنسان واللغة، وقد جاء في أربعة أبواب من التحليل بالبرهان والبيّنات، عبر المقال الأدبي، في الباب الأوّل، إلى التكثيف والإيجاز بالحكمة الومضة، في الباب الرابع، وما بينهما، آراء ووقفات وتأمّلات سمّاها النكنكة وسندة القلب، وهي كتابة إلكترونية ضمن إطار الأدب الرقمي التفاعلي. والكتاب في أبوابه الأربعة، يخاطب فيها الأديب الآخرَ الندّ، المسؤول، المربّي، الإعلامي، التربوي، يحمل فيها قلمًا قدّ من عنفوان، قلمًا يتقن فنّ المواجهة، فإذا كتب بالرصاص، فليمحوَ خطأ ارتكبه الإخوة بحقّ الشراكة، وإذا كتب بالأحمر، فليجنّب الوطن إراقته على أرض شبعت قهرًا وموتًا، وإذا كتب بالأخضر، فليزرع حقلاً لإنبات وإثمار، وإذا كتب بالأزرق، فليرسم سماء، وإذا تكلّم على إيديولوجيا الألوان، فليعيد الأصل للون كما شاءت له الطبيعة أن يكون، بعيدا ممّا شوهّته المصالح والسياسات

فنّ المقال 
كان لي متعة تدريس فنّ المقال من خلال معظم مقالات كتاب على هوا الأيّام، بحسب تاريخ نشرها في مجلّة سيّدة اللويزة الجامعيّة التي يرئس تحريرها الأديب مغامس، في إظهار حرفة فنّ المقال الأدبي، وتقنيّات كتابته. لن أدخل في تصنيف المقال بين صحافي وأدبي، كما كان في عصر النهضة بين محمود العقاد وطه حسين والمازني والمنفلوطي وغيرهم، لكنّي أستطيع القول، إنّ لجورج مغامس، هذه القدرة على الجمع بين الهمّ الوطني والقيمة الأخلاقيّة وأصالة الفصاحة وسرّ البديع ومآزم العصر واستشراف الحلول ورصانة الصوغ وإعلاء شأن اللغة والمخزون المعجمي واستدعاء العبر من خلال التناص اللاهوتي، والاستعانة بالأمثال الشعبيّة، للسخرية المرّة، وبالتراث الأدبي، الغربي منه والشرقي، ومن يقرأ مغامس في مقالاته هذه، أو السابقة منها، يعرف أنّه لا يستخدم الأسماء رموزًا عارضة لاستعراض ثقافة تراثية أو شعبيّة-كما يفعل كثيرون- بل يستخدمها استحضارًا لسياقها التاريخي والفكري، بما يخدم الفكرة التي يحلّلها، مقاربة ومقارنة، في دقيق مفاعيلها وأسباب كتابتها والظروف المرافقة، وعبرة للنتائج التي قد تؤدّي إليها.وهذا ما يسمّى حرفة الكتابة، بعد طول دربة وصنعة، تجعل الكاتب يكرّس بصمته في عالم المقال الأدبي
هو قلم غطّسَ رأسه بميرون الأنسنة، والصفحات جدران وطنٍ هدّه العهر والقهر، وجنى عليه الخضوع والخنوع والذلّ، لكنّ الولادة الجديدة التي يبشّر بها مغامس، هي أنّ خلاص الأوطان من داخل، بالتحاور والتعاون والتحابب والإخلاص له، والكفّ عن لوم الخارج باللجوء إلى تدبير العقلتحدث الأعجوبة متى استعدنا عقلناص 15
الأديب مغامس، ليس من الذين يبكون ويشكون ويأسفون ويشتمون ويلعنون ويمضون، هو يقف، يراقب، يسائل، يحاسب، يبحث، -يشتم ولكن بفصاحة- يناضل، يربط العلة بالمعلول، يمدّ يده، يقدّم حلولا، ضمن منظومةتآمر الحواس في اكتمال الوعي عند حضور المدركات من أجل انتفاضة الإنسان لتحقيق إنسانيّته،وإعادة السكنى في كفرسما، بعد إحياء ربيع ندحرج به الحجر على كفرسغاب ص104
دروس في الإعلام 
هذي النصوص، دروس في الإعلام، كي لا يكون متسرّعًا متسوّلاً طائشًا ومأجورًا لا يزن لا يقوّم لا يقدّر العواقب لا يرود لا يقود ولا يترسّل، يقرأ في كفّ النيّات وظاهر البيّنات ويؤوّل تأويل المشبوه… توليفات تلفيقات تحريضات عشوائيّات…ص186. شاشاتنا اليوم دميمة ذميمة، غارقة في اللسّ والدسّ وسائر الشبهات، تنزّ القيح والدماء، تبثّ الفحيح؛ فهي مزبلة، وهي مفسدة، جحيم من برص!ص234. حشد المترادفات هنا في توصيف الواقع الإعلامي على قساوته ومرارته، صفعة في وجه من لم يرَ بعد، أو من رأى وسكت، علّها تحمل صحوة، ونفياً لإيجابيات ما يجب أن يكون علّه يحمل من يعيده، فلا تكونمشحرة ومحرقة ومندبة234
هذي النصوص، دروس في تقنيات الكتابة، لأدب الأعماق وليس أدب السطوح، في روح النصّ، وال كيف، الأهمّ الأهمّ هو كيف..ما نكتب أكُتب على الصخرة أو على الماء.ص11 وكأنّها بيانه الأدبي في مطلع الكتاب، ونسأل؟ ماذا يريد من اللغة؟ لنستنتج:ألاّ تبتلى بما ابتلي القيّمون عليها ص 298، فهو يرفض أن تنتقل واو الندبة من قضايا النحو لتصبح بدءًا لقضايا العصر وختامًا، يريد من النحو تصويبه وتراكيب السؤال الذي ينقل العقل من محنته وركوده إلى فتح باب على إجابات تنفع الغد، تخلّصه، يريد من النحو لاءاته الناهية عن كلّ ذلّة، يريد من النحو أحرف نفي تنفي الخضوع بالمواجهة، وأدوات نداء تخاطب الآخرين أندادًا في المسؤوليّة، والسلطة والحكم والجامعات والجمعيات والمعاهد والمدارس والإعلام.لا يريد النحو مرايا هشّمت، بل يريدها صافية تحفظ إيقاع التدرّج بعيدًا من الهاوية في تحديد المسافة
هذي النصوص؟ إيمان بالكتابة، بالكلمة الفاعلة، لأنّها تؤسس لثقافة المناعة عند الشبيبة، أو فلتكنالصحوة المنيعة، كي لا يكونوا البلابل التي ربّاها البوم، وكي لا يكونإعراض الجذور عن التربة الصالحة والمستصلحة ص174، فتشتتهم السيول. هي نصوص الأمانة على المسؤوليّات والوفاء بالالتزامات ص 265، عودة الروح إلى العائلات بعودة العيب والحياءص 265، إصرارًا على التمسّك بالقيم والأخلاق
هذي النصوص، عين ترى الجرح في قلب الوطن، يد تلمسه، أذن تسمع أنينه، لسان لا يكتفي بتحسّس مرارة المصاب، بل لسان صخوب بما أمر العقل بعد إدراكه، وبصيرة تستشرف رؤيا الخلاص، ومشروع إمكانات حلول
أيُسأل بعد كيف يكون هوا الأيّام بحسب الكاتب الأصيل؟

في تذييل كتاب على هوا الأيام، الذي تقام ندوة حوله في إطار المهرجان اللبناني للكتاب، إنطلياس، دورة منير أبو دبس، يشارك فيها: أ. عبده لبكي، د. نايلة ابي نادر، القاضي الياس عيد، ويديرها ويقدّم لها أ. إيلي حجل. وذلك يوم الخميس الواقع فيه 16 آذار، الساعة الرابعة عصرا. يلي الندوة توقيع الكتاب في جناح جامعة سيّدة اللويزة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نُشر في الأنوار العدد الأربعاء 8/آذار/مارس 2017

عن الخبر ال واي

شاهد أيضاً

“سوسْطارَة”… الحَفْرُ فِي عَوَالم الظِلّ

“سوسْطارَة”… الحَفْرُ فِي عَوَالم الظِلّ مقالة الروائي الكبير واسيني الأعرج عن ” سوسطارة”، لروائية حنان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *